الأمر الثالث
ماهية الإمامة عند أهل السنّة
إنّ اتّفاق مشايخ المتكلمين من أهل السنّة على كون الإمامة من الفروع التي يبحث عنها في الكتب الفقهية ، واتّفاق الشيعة الإمامية على أنّها من الأصول ، ينشئان من أصل آخر ، وهو أنّ حقيقة الإمامة تختلف عند السنّة ، عمّا هي عند الشيعة ، فالسّنة ينظرون إلى الإمام كرئيس دولة ، ينتخبه الشعب أو نوّاب الأمّة ، أو يتسلّط عليها بانقلاب عسكري ، وما شابه ذلك ، فإنّ مثل هذا لا يشترط فيه سوى بعض المواصفات المعروفة ، ومن المعلوم أنّ الاعتقاد برئاسة رئيس جمهورية ، أو رئيس وزراء ، ليس من الأصول ، بحيث يفسّق من لم يعتقد بإمامته ورئاسته وولايته. وهذه هي البلاد الإسلامية لمّا تزل يسيطر عليها رئيس بعد آخر ، رغبة أو رهبة ، ولم ير أحد الاعتقاد بإمامته من الأصول ، ولم يجعل فسقه موجبا لخلعه ، وإلّا لما استقرّ حجر على حجر.
وأمّا الشيعة الإمامية ، فينظرون إلى الإمامة بأنّها استمرار لوظائف الرسالة (لا لنفس الرسالة ، فإنّ الرسالة والنبوة مختومتان بالتحاق النبي الأكرم بالرفيق الأعلى) ، ومن المعلوم أنّ ممارسة هذا المقام ، يتوقف على توفر صلاحيات عالية ، لا ينالها الفرد ، إلّا إذا وقع تحت عناية إلهية ربّانية خاصة ، فيخلف النبيّ في علمه بالأصول والفروع ، وفي عدالته وعصمته ، وقيادته الحكيمة ، وغير ذلك من الشئون.
وممّا يعرب عن أنّ الإمامة عند أهل السنّة أشبه بسياسة وقتية زمنيّة ، يشغلها