قُلُوبُكُمْ) (١).
وليس ذلك في وسع الإنسان العادي إذا كان حاضرا عند المشهود عليه ، فضلا عن كونه غائبا ، وهذا يدلّنا على أنّ المراد رجال من الأمّة لهم تلك القابلية ، بعناية من الله تعالى ، فيقفون على حقائق أعمال الناس من إخلاص ورياء ، وانقياد وتمرد ، ويؤدّون ذلك يوم القيامة. وهذه الكرامة ليس ينالها جميع الأمّة ، بل الأولياء الطاهرون منهم ، لا المتوسطون في الإيمان ، فضلا عن الملوثين بالمعاصي والملطخين بالجرائم.
وقد التجأ بعضهم إلى جعل متعلق الشهادة كون الأمّة على دين جامع ووسط ، وهو بمعزل عن التحقيق ، إذ ليس ذلك شهادة بشيء ، وقد وردت لفظة الشهادة بمعنى واحد في جميع القرآن ، في آياته المختلفة.
وبذلك يظهر معنى قوله سبحانه : (... وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ، وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (٢). فالخطاب متوجّه إلى الأمّة ، والمراد بعضهم ممن أعطيت لهم هذه الكرامة.
وهناك وجه آخر لما ذكرنا ، وهو أنّ أقلّ ما يعتبر في الشهود هو العدالة والتقوى ، والصدق والأمانة ، والأكثرية الساحقة من الأمّة ، يفقدون ذلك ، وهم لا تقبل شهادتهم على صاع من تمر أو باقة من بقل ، فكيف تقبل شهادتهم يوم القيامة؟.
وإلى هذا تشير رواية الزبيري عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «قال الله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (٣) ، فإن ظننت بأنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين ، أفترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر ، يطلب الله شهادته يوم القيامة ، ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية. كلا ، لم يعن الله
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٢٥.
(٢) سورة الحج : الآية ٧٨.
(٣) سورة البقرة : الآية ١٤٣.