المتصعدة إلى الجو البارد لمّا عرض لها برد هبطت من فضاء المحيط إلى ضيق المركز فاجتمعت وصارت سحابا وإذا قوي بردها امتدت إلى أجزاء أخر فبردت واجتمعت فانفصلت (١) سحابا مثلّجا ، ولو كان ذلك لاستحالة الهواء لا تصل مدد الثلج لاتصال مدد البرد بالثلج الواقع على الأرض فكان لا يصحى الجو إلّا بحرّ حادث ، وليس كذلك فانّ يوم الصحو عن المطر أبرد من يوم المطر. ولأنّ الهواء الملاصق للثلج النازل على الأرض أولى بالبرودة من الذي في أعالي الجو فلم لا ينكثف ويصير ماء أو ثلجا؟» (٢) وذكر أنّه وارد. (٣)
وأمّا عكسه وهو انقلاب الماء هواء ، فذلك عند تسخين الماء فانّه يظهر له بخار متصاعد وهو هواء فيه أجزاء مائية يسيرة جدّا إلى أن ينفى ذلك الماء.
وأمّا انقلاب الماء أرضا ، فما نشاهد من فعل أهل الاكسير فانّهم يعقدون المياه الجارية أحجارا صلبة صلدة (٤) ، وذلك مشاهد من بعض المياه التي تنعقد حجرا بعد خروجها من منابعها.
لا يقال : تلك المياه تخالطها أجزاء أرضية صغيرة جدا وعند العقد تتحلل الأجزاء المائية بالتبخير وتبقى الباقية على مزاجها المستحكم بالأرضية.
لأنّا نقول : لو كان كذلك لكان في تلك المياه من الخثورة (٥) ما نفعله
__________________
(١) في المباحث : «فاتصلت».
(٢) كما تكاثف في الجو العالي ، والهواء الذي عندنا أكثف من هواء الجو وأشد استعدادا للاستحالة. المباحث المشرقية ١ : ٧٠٥ ـ ٧٠٦.
(٣) قال : «وهذا الذي ذكره هذا المعترض متجه فلنترك ذلك الوجه.» المصدر نفسه.
(٤) والظاهر فيه أنّ أصحاب الاكسير يحلّون الأجسام الصلبة مياها. وأمّا عكسه فتفعله الطبيعة ، فإنّ كثيرا من مياه العيون ينعقد حجارة صلدة. راجع نقد المحصل : ٢٢٨.
(٥) الخثورة : نقيض الرّقّة. لسان العرب ٤ : ٢٧. وفي هامش نسخة ج : الخثر ـ محرّكة ـ : العكر ، والعكر ـ محرّكة ـ دردي كل شيء.