فهنا مسائل :
المسألة الأولى : في المتحرك
الحركة عرض من الأعراض لا توجد إلّا في محلّ يقوّمها كغيرها من الأعراض ، فذلك المحلّ هو المتحرك فلا بدّ منه في كلّ حركة. وقد سبق البحث في أنّ الحالّ في المتحرك هل هو متحرك أم لا؟ الحقّ أنّه متحرك بالعرض لا بالذات.
ثمّ إن جعلت الحركة ما تكون مبدأ المفارقة منه فليس بمتحرك. وإن جعلت أعمّ وهي المباينة للأمور الثابتة فهو متحرك.
والحاوي في الفلكيات كالمحيط يحرك ما تحته كفلك البروج ، إمّا لتشبث أجزاء أحدهما بأجزاء الآخر ، أو لأنّ كلّ واحد من أجزاء المحوى له مكان خاص في الحاوي إذا تحرك يتبعه. والعذران قالهما الحكماء مع أنّهما لا يستقيمان على مذهبهم.
وأجزاء المتحرك المتصل عند المتكلّمين متحركة ، لأنّها موجودة فيه بالفعل ، أمّا عند الأوائل فانّها غير موجودة بالفعل ، وإنّما توجد بالفرض فقبل الفرض لا حركة لها البتة ، إذ لا وجود لها أصلا. والحركة وصف يستحيل ثبوته بدون ثبوت الموصوف ، وإذا فرضها العقل فرض لها حركة لا عن جميع مكانها للاتصال بالكل ، بل عن بعضه وهو الجانب المحاط بالهواء ، أمّا باقي الأجزاء فإنّما تفرض لها حركة وتنمية بمعنى حركة المحوى في الحاوي ، وإذا تحرك على نفسه حركة دورية وجب وجود نقطة في وسطه لا تتحرك هي المركز يتحرك المتحرك عليها ، ولا يلزم وجودها بالفعل ، بل بالفرض أيضا.