البحث الثاني
في الاجتماع والافتراق
لا خلاف أنّ الحركة والسكون والكون من قبيل الأكوان. وأمّا الاجتماع والافتراق فقد اختلف في أنهّما أمران مغايران للكون المخصّص للجوهر بالحيز. فذهب قدماء الأشاعرة إلى ذلك. وأبو الهذيل العلاف ذهب إلى أنّ للافتراق معنى مغايرا له. وبه قال أبو علي أوّلا ، ثمّ رجع عنه. (١) وعند باقي مشايخ المعتزلة أنّ الافتراق عبارة عن الكونين اللّذين يحصل بهما الجسمان في مكانين بعيدين. والمجاورة هي الكونان على وجه القرب ، ولا يحصل عند الافتراق معنى زائدا عليهما كما يحصل عند المجاورة معنى هو التأليف.
والتحقيق أن نقول : الكون جنس لهذه الخمسة على ما تقدّم (٢) ، وكلّ واحد من هذه الخمسة لا بدّ وأن يمتاز عن البواقي بفصول زائدة على المعنى المشترك ،
__________________
(١) اعلم أنّ الشيخ أبا الهذيل ذهب إلى أنّ الافتراق معنى زائد على كوني الجوهرين على سبيل البعد ، كما ذهب في التأليف إلى أنّه معنى زائد على كوني الجوهرين على سبيل القرب. وإليه ذهب الشيخ أبو علي أوّلا ، ثمّ رجع عنه في «مسائله» على أبي الهذيل ... ويقال إنّ الشيخ أبا علي لم يكن في عينه أحد أعظم من أبي الهذيل ، ومع هذا فقد خالفة في أربعين مسألة ، هذه إحداهنّ. التوحيد : ١١٩ و ١٠١ ؛ طبقات المعتزلة : ٨٤. واختار أبو رشيد ما ذهب إليه أبو علي آخرا وهو قول أبي هاشم وسائر المعتزلة أيضا واستدل عليه بوجوه ، فراجع.
(٢) آنفا في البحث الأوّل من النظر الأوّل.