غيره لا بدّ وأن يكون لاستعداد صادر عن قوّة ، فنقول : ذلك الاستعداد للوصول إلى ذلك الحدّ المعيّن كان موجودا قبل الوصول ، فإمّا أن يكون موجودا بالفعل أو بالقوّة. والثاني محال ، وإلّا لم يكن الوصول بعد ذلك حاصلا بالفعل. والأوّل باطل أيضا ، لأنّه إمّا أن يكون في الجسم استعداد بالفعل للوصول إلى كلّ حدّ من الحدود المتوسطة من المبدأ والمنتهى ، أو للوصول إلى بعض الحدود دون بعض. والأوّل يستلزم وجود ما لا يتناهى دفعة واحدة. والثاني يقتضي أولوية الرجحان لأحد المساويين دون الآخر من غير مرجّح وهو محال. ولا يمكن أن يقال : الاستعداد أيضا حاصل على التدريج ، لأنّ الوصول إلى الحدّ المعيّن آني الوجود ، فعلّته كذلك.
المسألة الخامسة : في أنّه لا يجتمع في الجسم مبدأ الاستقامة والاستدارة (١)
إنّه لا يمكن أن يجتمع في الجسم الواحد مبدءان : أحدهما يقتضي الحركة المستقيمة ، والآخر يقتضي الحركة المستديرة ؛ لأنّه إمّا أن يحصل الأثران معا ، أو يعدمان معا ، أو يوجد أحدهما دون الآخر ، أو توجد حالة متوسطة بينهما ، والكلّ محال.
أمّا الأوّل : فلأنّه يقتضي حصول المتضادين دفعة واحدة وهو محال ، لأنّه بالحركة المستقيمة يكون متوجها إلى تلك الجهة وبالحركة المستديرة يكون منصرفا عنها ، والجسم الواحد يستحيل أن يكون متوجها إلى جهة ومنصرفا عنها دفعة واحدة.
__________________
(١) راجع شرح الإشارات ٢ : ٢٣٨ ؛ الفصل الثاني عشر من رابعة الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء : ٣١٧ ؛ المعتبر في الحكمة ٢ : ١٠٩ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٤٦.