الندى مرّة بعد أخرى على وتيرة واحدة بشرط أن ينحّى من الإناء ما حدث عليه ويكون الإناء على حاله من التبرّد.
واعترض بأنّ برودة الماء (١) إن اقتضت فساد الهواء المحيط بالإناء فوجب أن يصير كلّ ذلك الهواء ماء ، ولا محالة يسيل الماء حينئذ ويتّصل به هواء آخر ويصير أيضا ماء ويجري الماء جريانا صالحا وكان يجب أن يمتلئ الإناء ماء ، وإذ ليس كذلك ، بل يحصل قدر من الماء في زمان يسير لم لا يزيد مثله في مثل ذلك الزمان ، علم أنّه حدث من أجزاء مائيّة خارج الإناء إن اعتبرنا القطرات التي على ظاهره أو في داخل الإناء كانت منتشرة في الهواء المحصور في الكوز فلما بردت نزلت فانقطعت واتصلت بنقلها (٢) عن الهواء إلى قعر الكوز فلما استصفاها البرد المصفى من الهواء بالإحدار (٣) لم يتصل مددها ولم يزد ما فيه قليلة المدد.
وأجيب عنه بأنّ جرم الإناء صلب فلا يتكيّف بالكيفيات الغريبة سريعا ، وعند التكيّف تحفظ الكيفية بطيئا فإذا ألحّت القوّة المكيفة اشتدّ تكيّفه بها دون ما يشتدّ تكيّف غيره ، ولهذا تجد الأواني الرصاصيّة المشتملة على المائعات الحارّة أسخن من تلك المائعات ، فالإناء المذكور لشدّة برده يفسد الهواء المطيف به ، والماء لسرعة تكيّفه بالكيفيات الغريبة يحيل (٤) الهواء المطيف به ظاهره عن برودته الشديدة سريعا فلا يفسد الهواء ما دام على سطح الإناء (٥) ، أمّا إذا نحّي منه واتصل الهواء بالسطح عاد إلى إفساده.
وقوله : «لو كان ذلك بسبب إحالة الهواء وجب أن يزداد حتى يمتلئ
__________________
(١) في شرح الإشارات : «الإناء».
(٢) في النسخ غير منقوطة ، وفي نسخة من المباحث المشرقية : «بثقلها» ج ١ ، ص ٧٠٥.
(٣) في النسخ : «بالأجزاء إذ» ، وما أثبتناه من المباحث.
(٤) في شرح الإشارات : «يحيله».
(٥) في شرح الإشارات : + «ماء» بعد «الإناء».