الحركة في الكيف مستمرة لأنّ استمرار الكيف ضدّ استمرار الحركة في الكيف ، أو لا يستمر فتحدث لا محالة كيفية أخرى حدوثا آنيا ، فإن لم يكن بين الآنين زمان تتاليا ، وهو محال. وإن كان لم يكن التغير مستمرا في الحقيقة.
وإن بقيت تلك الكيفية فإمّا أن يكون قد حدث حال تغيرها شيء أو زال شيء أو ما حدث شيء ولا زال شيء. والأوّل والثاني يرجع التقسيم فيهما بعينه ، والثالث يمنع من وقوع التغير أصلا. والمحقّقون لأجل هذه الدلالة اتّفقوا على استحالة بقاء الكيفية الواحدة بالشخص مع الاشتداد والنقصان ، بل زعموا أنّ المعنى منهما توالي أنواع متباينة بالماهية كلّ واحد منها آني الوجود ، وإذا كان كذلك فلا بدّ من تخلل تلك الأزمنة بين الآنات لئلا يلزم تتاليها. وذلك يقرر ما قلناه من أنّ هذا الحدوث وإن كان متدرجا في الحس لكنّه في الحقيقة ليس كذلك.
وأجاب الفارابي : بأنّ هذه الأنواع موجودة بالقوّة فالآنات المتتالية بالقوّة لا بالفعل ، وليس بشيء لأنّ التغير إذا كان هو عبارة عن تلك الأنواع المتتالية لزم من كون ذلك التغير بالفعل كون تلك الأنواع بالفعل. ومن أنكر الحصول على التدريج جعل بين ما منه الحركة وما إليه الحركة أنواع مختلفة كلّ واحد منها يوجد آنا ولا يظهر التفاوت بين كلّ نوعين لتقاربهما طبعا ، بل إذا تباعدت ظهر التفاوت للحس. فتظن النفس أنّ الحركة قد حصلت ، والحصول على التدريج قد وقع ، وفي الحقيقة ليس كذلك.