وإن كانت أجزاؤه مختلفة فاختلافها إمّا أن يكون بحرّ أو برد وحينئذ يمتنع أن نستفيد السخونة مرّة أخرى. وإمّا أن يكون ضعيف السخونة (١) وتتزايد سخونته لأجل المسخن فحينئذ حصلت الشدة والضعف في الحرارة.
وأمّا إن كان اختلافهما بالكثافة واللطافة فليس يبلغ الفرق بين الكثيف واللطيف من النوع الواحد مبلغ القرب والبعد ، فانّ كلّ واحد من اللطيف والكثيف يبتدي الحرارة والإحراق فيما يقرب منه ثمّ فيما يبعد.
وحيث بطلت هذه المذاهب الثلاثة ثبت وجود الحركة في الكيف المحسوس.
قيل : الجمهور قنعوا في إثبات الاستحالة في هذا النوع من الكيف مطلقا بما ذكرناه ، وأنّه غير كاف ، لأنّ ذلك إنّما يدلّ على وقوع الاستحالة في حرارة بعض الأجسام وبرودتها ، فأمّا في الكلّ حتى يقال : النار مع بقاء ناريتها تبرد ، والأرض مع بقاء أرضيتها تصير رطبة لا على سبيل البلّ ، والماء مع بقاء مائيّته يصير يابسا كيبوسة الأرض لا على سبيل النشف ، والأسود يصير أبيض ، والحلو يصير مرّا ، إلى غير ذلك من الكيفيات المحسوسة ، فلم يشتغلوا به أصلا. نعم ربما حاولوا أنّ الأرض تنقلب ماء وبالعكس ، ولكن ذلك مبحث آخر ، لأنّه فرق بين إثبات أنّ الأرض هل يمكن زوال الصورة الأرضية عنها وتتصف بالصورة المائية؟ وبين أن يقال : الأرض مع بقاء صورتها الأرضية هل يمكن اتصافها بالرطوبة؟
الشرط الثاني : للحركة في الكيف (٢) : أن يكون تبدل هذه الكيفيات لا تقع
__________________
(١) في العبارة سقط وتشويش ، وهي في المباحث هكذا : «فاختلافها إمّا أن يكون بحرّ وبرد أو بكثافة ولطافة. والأوّل إمّا أن يكون الحار منها في غاية السخونة وحينئذ يمتنع أن تشتد السخونة مرّة أخرى. وإمّا أن يكون ضعيف السخونة ...».
(٢) ومرّ الشرط الأوّل في ص ٣٨٠.