العادة أن لا تنبت الشجرة إلّا عند وقوع الشمس عليها فتتشبث بذلك أجزاء نارية حتى لو صحّ ما يقال : إنّ هاهنا مواضع لا تطلع عليها الشمس جاز أن لا يشتعل الحطب. وبعضهم أوجب وجود النار في الهواء فقط دون غيره من الأجسام. وعند المشايخ يصحّ وجودها فيه ، لكن لا تكون مقصورة عليه دون غيره من الأجسام.
واعلم أنّه لو ادّعى في إبطال الكمون الضرورة أمكن. والملازمة في دليلهم ممنوعة ، لجواز أن يحدث بسبب القدح فإنّه يؤثر سخونة ويكون الجرم مستعدا للاشتعال بسبب دهنية فيه ، وكون بعض الأجسام يحصل منها الدفء لسخونة مزاجه أو لشدّة التصاقه لا باعتبار وجود نار فيه ، وإلّا لاحترق.
واعتذارهم بالصلابة فاسد ، فإنّ أوّل جزء من أجزاء النار إذا قرّب إلى خشب الكبريت فانّه يؤثر فيه ، ولا يتأتى هذا العذر في القطن.
المذهب الثاني : الورود وتدلّ على بطلانه وجوه : (١)
الوجه الأوّل : إذا ألقينا نارا يسيرة جدا في جبل من الكبريت عظيم جدّا ثمّ بعّدناها عنه بسرعة فانّ الجبل يشتعل كلّه نارا ولو كان ذلك بالورود من دون الاستحالة لم يكن أكثر من تلك الشعلة الملقاة من (٢) النار.
لا يقال : (٣) النار وإن كانت قليلة المقدار لكنّها شديدة القوة فجاز أن
__________________
(١) راجع شرح الإشارات ٢ : ٢٧٩ ـ ٢٨١ ؛ الفصل الرابع من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء ؛ طبيعيات النجاة : ١٧٩ (فصل في فسخ ظنون قيلت في هذا الموضع) ؛ المباحث المشرقية ١ : ٦٩٨ ـ ٧٠٠ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٤٢٠.
(٢) في النسخ : «في».
(٣) أنظر الإشكال والجواب عنه في الشفاء : ١٠٨ و ١٠٩.