للحس لكونها منكسرة الكيفية للمزاج ، فإن قالوا بمثله ناقضوا مذهبهم وإلّا لزمهم ما مرّ. (١)
وذهب مشايخ المعتزلة (٢) ـ إلّا الكعبي ـ (٣) إلى أنّ بعض الأجسام تكمن فيها النار كالحديد والحجر والخشب ولهذا تحصل النار فيها بالقدح. وكالأجسام التي يحصل الدفء منها كالقطن وغيره ، لأنّ فيها أجزاء نارية ولهذا تزداد النار بها اشتعالا كما تزداد بزيادة الحطب ، وكذا الأدهان التي تشتعل بها المصابيح. قالوا : لو لم تكن النار الخارجة بالقدح كامنة في هذه الأجسام لكان الله عزوجل يفعلها بالعادة فكان يصحّ في الحجر. وإن رقق وقدح تجديده مموّحة أن لا تخرج النار منه وأن تخرج في الجليد إذا حكّ بعضه فلما عرفنا فساد ذلك دلّ على كونها (٤) في هذه الأجسام. ولا يقدر أحدنا على الحرارة فيجعلها متولدة عن القدح الذي نفعله.
لا يقال : كان يجب أن يحترق الخشب لما فيه من النار. (٥) وأن يظهر لنا عند اللمس.
لأنّا نقول : لا نسلّم الملازمة فانّ أجزاء النار إذا كانت قليلة متفرقة في مواضع وفيها صلابة غالبة تمنعها من التأجج لم يجب ما ذكرتم. ولا نجدها عند اللمس لغلبة الأجزاء التي لا نار فيها على ذلك الجسم. ولا يجب أيضا ظهورها وإن سحقنا ذلك الجسم لأنّها تتبدّد لقلتها.
قال قاضي القضاة : لا يمتنع أن يكون سبب ذلك أنّ الله تعالى قد أجرى
__________________
(١) المصدر نفسه.
(٢) منهم الاسكافي وأبو الهذيل وإبراهيم النظام ومعمّر وهشام بن الحكم وبشر بن المعتمر وأبو رشيد ، كما في مقالات الإسلاميين : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ؛ مكدرموت ، الشيخ المفيد : ٢٨٧.
(٣) عدا ضرار بن عمرو ، كما في مقالات الإسلاميين : ٣٢٨.
(٤) ج : «كمونها».
(٥) والقائل بهذا ضرار بن عمرو ، كما في المصدر نفسه.