والبارد. (١)
ويدل على الاستحالة أنّا نحس بحرارة الماء بعد برودته ، فتلك الحرارة إن حصلت بالتسخين لا بمداخلة النار وممازجتها فهو المطلوب ، فإنّ الماء قد كان باردا ثمّ لمّا سخناه بالنار خلع تلك الكيفية ولبس كيفية الحرارة وهذا هو معنى الاستحالة. وإن حصلت بمداخلة النار وممازجتها ، فتلك النار إمّا أن ترد عليه من الخارج أو لا من الخارج. وإن لم تكن من الخارج فإمّا أن تكون قد حدثت الآن بأن انقلب بعض أجزاء الماء نارا ، أو كانت موجودة فيه لكنّها كامنة فيه لا تظهر للحس إلّا عند مجاورة الحار.
فالمذاهب الباطلة ثلاثة :
المذهب الأوّل : الكمون ، ويدل على إبطاله وجهان : (٢)
الوجه الأوّل : الكمون إمّا أن نعني به المداخلة ، أو معنى آخر غيره. والأوّل باطل لما ثبت (٣) من استحالة تداخل الجسمين. ثمّ لو جوزنا ذلك فهاهنا إمّا أن يكون مع كلّ جزء من الماء جزء من النار مداخل فيه ، وإمّا أن لا يكون كذلك بل يكون البعض دون البعض. والثاني لا يخلو إمّا أن تكون الأجزاء الخالية عن مداخلة النار فيها قابلة للسخونة ، أو غير قابلة لها. والأوّل يقتضي وجود الاستحالة. والثاني يقتضي أن نحس ببعض أجزاء الماء في غاية البرد وبعضها في غاية السخونة. وأيضا فليس البعض بذلك أولى من البعض مع اتحاد طبيعة الأجزاء. وأمّا إن وجد مع كلّ جزء في الماء جزء من النار ، فلا يخلو إمّا أن تنكسر
__________________
(١) والمذهبان متقاربان ، فانّهما يشتركان في أنّ الماء مثلا لم يستحل حارّا لكن الحارّ نار تخالطه. ويفترقان بأنّ أحدهما يرى أنّ النار برزت من داخل الماء ، والثاني يرى أنّها وردت عليه من خارجه. راجع شرح الإشارات ٢ : ٢٧٩. والعبارة من الشيخ في الشفاء : ١٠٢.
(٢) راجع طبيعيات النجاة : ١٨٠ (فصل في فسخ ظنون قيلت في هذا الموضع).
(٣) في المجلد الثاني ، ص ٤٦١.