لم يتوقع حصول مثله في ذلك الوصف بعده فإنّ الحالف بعتق عبد يشتريه أخيرا إنّما يعتق من يشتريه آخر عبيده ثمّ يموت قبل شراء غيره فبعد الموت يقع اليأس من شراء عبد فيكون ما اشتراه أخيرا أخيرا. وهذا (١) غير متحقّق هنا ، لأنّ الجنّة والنار موجودان أبدا ، فكيف يتحقّق كونه تعالى آخرا في الوجود؟
وفيه نظر ، لما بيّنا من رجوع ذلك إلى أحوال الدنيا لا إلى المعاد.
سلّمنا ، لكن لا نسلّم دوام الجنة والنار بالشخص فجاز انقطاعهما وفناؤهما بالشخص لا بالنوع.
ز. سلّمنا الآخرية في الوجود بأن يعدمهما ولو ساعة ، ولكن الأوّلية والآخرية قد يستفاد من هاتين اللفظتين إذا استعمل كلّ منهما مفردة أو إذا استعملا معا في ذات واحدة على الجمع؟ م ع. (٢)
بيانه : أنّه إذا قيل في الشيء : إنّه الأوّل والآخر ، فانّه يستفاد منه توحد ذلك الشيء ، كما لو جاء إنسان واحد (٣) ثمّ سئل عنه أنّه الأوّل أم الآخر؟ فقيل : هو الأوّل والآخر ، فإنّه يراد به توحده وأنّه لم يجيء سواه. وكذلك هذه الآية وردت محاجة مع المشركين على تقدير الوحدانية في إلهيته ، فقال : هو الأوّل والآخر. وقد روي عن النبي عليهالسلام أنّه قال: لو دليتم أحدا إلى الأرض السفلى لهبط على الله تعالى ، ثمّ تلا قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ). أنّه تعالى هو الإله في السماء وفي الأرض وفيما تحت الثرى.
أو يكون المراد ما ذهب إليه بعض المفسّرين : أنّه الأوّل خالقا والآخر رازقا ،
__________________
(١) ق : «هنا».
(٢) لعلّ المراد من «م» أنّ صورة استعمال كلّ منهما مفردة ، مسلم. ومن «ع» أنّ صورة استعمالهما معا ، ممنوع.
(٣) كما إذا قيل لك : أهذا أوّل من زارك أو آخرهم؟ فتقول : هو الأوّل والآخر ، وتريد أنّه لا زائر سواه. شرح المقاصد ٥ : ١٠٢.