معدوما فانّه يمكن الاستدلال به على وجود الصانع تعالى وذلك من أعظم المنافع. وإذا لم يمكن حمله على المعنى الأوّل وجب حمله على الثاني وإلّا لصار مهملا ، والكلام بالمهمل قبيح على الله تعالى.
وأيضا المراد من هذه الآية تمدحه تعالى بالدوام والبقاء وعدم تطرق الهلاك والعدم إليه ، فلو كان العالم باقيا بأجزائه أو (١) بجملته لم يكن هذا التمدح مختصا به تعالى ، وهو مناف للغرض من الآية.
وأيضا الهلاك في الحقيقة إنّما هو العدم والفناء ، وإنّما اطلق على غير المنتفع به أنّه هالك بنوع من المجاز والأصل عدمه ولهذا يصدق سلب الهلاك عن الذات الباقية وإن كانت غير منتفع بها.
الوجه السادس : الإجماع دالّ على أنّ العالم يفنى ويعدم. (٢)
والاعتراض (٣) على الأوّل من وجوه : (٤)
أ. الآية دلّت على كونه آخرا على الإطلاق ولم تدل على كونه آخرا لكلّ الذوات أو لبعضها ، والاخبار نحن نعمل بموجبها ونحملها على أنّه تعالى يبقى حيا بعد موت جميع الأحياء ، وإذا عملنا في هذه الصورة بمقتضى إطلاق اللفظ سقط أصل الاستدلال.
__________________
(١) ق : «و».
(٢) قال القاضي عبد الجبار : «قد اعتمد شيوخنا في ذلك أيضا على الإجماع وأنّه لا خلاف أنّه تعالى يفني العالم ثمّ يعيده. وقد حكى عن بعض العلماء في هذا الباب الخلاف. وهذا لو صحّ لم يعترض ما ذكرناه ؛ لأنّ الحال في ذلك في الصحابة والتابعين ومن بعدهم أظهر من أن يصحّ أن يدعى فيه الخلاف ؛ لأنّ الإجماع على ذلك من الأمور العامة الفاشية الظاهرة. وإنّما يمكن أن يتأول إجماعهم على أنّ المراد به الموت دون الفناء ، وهذا لا يسوغ في الإجماع ، كما لا يسوغ في إطلاق الكتاب». المغني ١١ : ٤٤١.
(٣) على خمسة من الوجوه ، وما ذكر المصنف اعتراضا على الوجه السادس.
(٤) راجع المصدر نفسه ؛ شرح المقاصد ٥ : ١٠٢.