فانّ الله تعالى كما حكم بكونه أوّلا حكم بكونه آخرا ، ثمّ إنّه لما كان أوّلا في الوجود يجب أن يكون آخرا في الوجود ولا يكون كذلك إلّا بعد عدم الموجودات ، ثمّ إنّها لا تعدم بعد يوم القيامة فيجب أن يكون ذلك قبل يوم القيامة.
الوجه الثاني : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (١) ، وإعادة الخلق لا يتصور إلّا بعد عدمهم.
الوجه الثالث : قوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٢) ، لمّا كان مبدأ الخلق هو الاحداث عن عدم محض لحدوث العالم كذا تكون الإعادة ، لأنّه تعالى شبّه الإعادة بالابتداء وساوى بينهما فكما كان الابتداء عن العدم وجب أن تكون الإعادة أيضا عن العدم وكذا قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ). (٣)
الوجه الرابع : قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٤) ، والفناء هو العدم فدلّ على فناء من على الأرض.
والمعتزلة لمّا قالوا بالفناء الموجود لا في محلّ قالوا : (٥) إنّه إنّما يمكن إفناء من على الأرض بخلق فناء لا في محل ، ومتى وجد فناء لا في محلّ وجب انتفاء جميع الجواهر ، فدلت هذه الآية على فناء كلّ الجوهر ويلزم انتفاء جميع الأعراض وليس العالم إلّا الجواهر والأعراض.
الوجه الخامس : قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٦) ، والهلاك يطلق تارة على الخروج عن كونه منتفعا به وتارة على العدم. والأوّل غير ممكن الإرادة هنا ، لأنّه لا يمكن خروج العالم عن كونه منتفعا به ، لأنّه سواء بقي موجودا أو صار
__________________
(١) الروم / ٢٧.
(٢) الأنبياء / ١٠٤.
(٣) الأعراف / ٢٩.
(٤) الرحمن / ٢٦. وقال الطبرسي : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) ، أي كلّ من على الأرض من حيوان فهو هالك يفنون ويخرجون من الوجود إلى العدم. مجمع البيان ، ذيل الآية.
(٥) «قالوا» ساقطة في ق.
(٦) القصص / ٨٨.