قوله : «لم لا يجوز أن يتقدمه أو يقارنه؟»
قلنا : لوجهين :
الأوّل : القادر الذي استوى الفعل وعدمه منه لقدرته لا يجوز أن يفعل إلّا إذا رجح منه أن يفعل بالداعي وهو أن يعلم أو يظن أنّه تتعلق بفعله منفعة إن فعله حصلت وإلّا فاتت. وإن لم يكن له داع على هذا التفسير ، فإمّا أن نقول : بأنّه لا يصحّ منه وجود الفعل كما هو قول أبي الحسين في جوابه عن شبه النظام في قدرة الله تعالى على قبيح ، أو نقول : إنّه وإن صحّ منه لكن لا يفعله لقبحه على ما ذهب إليه سائر الشيوخ. وما قد أخبر الله تعالى عن إيجاده فهو وإن تعلقت المنفعة بالخبر لكن إذا لم تتعلق بنفس المخبر لم يكن ذلك المخبر ممّا قد دعاه إليه الداعي على ما فسرنا به الداعي ، إلّا أن يقولوا بأنّ الله تعالى ينتفع بفعل المخبر لما فيه من صيانة. قوله : عن الكذب. والله يتعالى عن الانتفاع فلم يجز أن يخبر عن مخبر هذا حاله.
وأمّا من يقول : ما وعد به فانّه ينتفع بذلك لما يحصل له من السرور بصفة الكمال بالوفاء (١) والاحتراز عن صفة النقصان بقول الكذب.
لا يقال : لم لا يجوز أن يكون القبيح في الكذب لو لم يف بما أخبر به صارفا عن الترك وداعيا إلى فعل المخبر به ، كالانتفاع. ولهذا يفعل الله تعالى الأفعال الحسنة ويترك القبائح لمجرّد الحسن والقبح وإن لم تكن في ذلك منفعة له تعالى على تفسير السرور واللذة خصوصا على مذهبكم في مسألة التحسين والتقبيح ؛ فانّكم قلتم : بأنّ في العقل واجبات وقبيحات لا على سبيل المنفعة والمضرة بل على سبيل أنّ العقل يمنع من فعله له ومن الاخلال بأن يفعله.
__________________
(١) ق : «بالبقاء» ، وهو خطأ.