قلنا : إذا جاز أن يقارن وجود الفناء عدم الأجسام ، فلم لا يجوز أن يقارن وجود المنفعة عدم الحياة؟
سلّمنا أنّه لا يجوز أن يقارنه ، لكن لم لا يجوز أن يتقدمه أو يتأخر عنه؟ فانّ الإنسان قد يعد غيره أو يتوعده ثمّ يفي ذلك من بعد لما قد سبق له من المنفعة بالوعيد والوعد ، وكذا يلقي البذر في الأرض مع ما فيه من النقصان لما يتوقعه من بعد من الحصاد ، فكذا هنا لم لا يجوز أن يخبر الله تعالى عن الفناء لما لهم من منفعة المصلحة؟ ثمّ إنّه تعالى يفعل ذلك من بعد وفاء بما أخبر.
أو نقول : إنّه لمّا أخبر وكان لا يجوز أن ينتفع بالمخبر (١) عنه مع توقع الكذب فيجب فعله ، فيكون الخبر عن المخبر كالشيء الواحد حتى يكون الموجود من المصلحة في الخبر كالموجود في المخبر.
لم يعارض بالفناء الذي ذهبتم إليه من الموت وتفرق الأجزاء خصوصا موت أجزاء الاحياء ، فانّه حينئذ لا منفعة هناك له ولا لغيره ولا اعتبار لأحد به ، ومع ذلك فانّه يجوز ، فلم لا يجوز فيما ذهبنا إليه؟
فالجواب : أنّ النقوض غير واردة ، لأنّا قلنا : ولا إيصال حقّ إلى مستحقه ، وعذاب القبر وعقاب الآخرة يكون مستحقا.
قوله : «لم لا يجوز أن يقارن المنفعة وجود الفناء؟».
قلنا : لما ذكرنا أنّه يقارنه عدم الجسم وعدم الجسم يقارنه عدم الحياة ويستحيل وجود اللذة للحي مع عدم الحياة ، بخلاف وجود الفناء فانّه لا يحتاج إلى وجود شيء يزول بزوال الجسم.
__________________
(١) ق : «بالخبر».