(الْحَكِيمُ) في علمه وعمله وهو عطف في معنى التّعليل يعنى انّ الإله ينبغي ان يكون عزيزا وحكيما حتّى يعلم غايات الأمور على ما ينبغي ، ويتمكّن من العمل على ما ينبغي ، وحتّى لا يغلب في مراده ؛ وهذه الأوصاف منحصرة في الله فما من آله الّا الله لا عيسى (ع) متفرّدا أو مشاركا (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يعنى هؤلاء المحاجّون عنك أو عن دينك أو عن قصص عيسى (ع) على ما ذكر فليحذروا (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) اى بهم ووضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار بأنّهم في التّولّى مفسدون في عالمهم الصّغير والكبير (قُلْ) يا محمّد (ص) بعد ما أتممت لهم الحجّة بتقرير حال عيسى (ع) وإثبات المخلوقيّة والعبديّة له من بيان أحواله ثمّ بالزامهم بالمباهلة بعد ان لم تنجع فيهم الحجّة البيانيّة وانقيادهم شيئا من الانقياد مع بقائهم على دينهم لعموم أهل الكتاب من اليهود والنّصارى بطريق اللّطف في المحاجّة والمدارة فيها (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا) من الخلاف والشّقاق (إِلى) الاتّفاق والاجتماع في (كَلِمَةٍ) واحدة هي توحيد الله في العبادة وفي الآلهة وفي الطّاعة (سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) يعنى حتّى تصير تلك الكلمة متساوية النّسبة في القبول بيننا وبينكم فلفظ سواء مصدر بمعنى اسم الفاعل للزّمان الآتي (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) بخلاف عبدة عزير باعتقاد انّه ابن الله من اليهود ، وعبدة المسيح باعتقاد انّه الله أو انّه ابن الله من النّصارى وهو خبر مبتدء محذوف أو بدل من كلمة (وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) في الآلهة بخلاف من قال من النّصارى انّ الله ثالث ثلاثة (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) في الطّاعة بخلاف من اتّخذ الأحبار والرّهبان والرّؤساء أربابا في الانقياد والطّاعة ثابتين بعضا من غير الله ، أو ناشئة ربوبيّتهم من غير الله ، أو من غير اذن الله فلفظ من للتّبعيض والظّرف مستقرّ وصف لاربابا ، أو لفظ من للابتداء والظّرف لغو ، أو مستقرّ وصفة لاربابا ، وطاعة المخلوق في الدّين من غير اذن الله وأمره به نحو عبادة للمطاع من حيث لا يشعر ؛ ولذلك قال في سورة التّوبة : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) يعنى انّ طاعتهم للأحبار من غير نظر الى اذن الله وأمره عبادة لهم وما أمروا الّا بالعبادة للاله الواحد وروى انّه لمّا نزلت آية (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) قال عدىّ بن حاتم : ما كنّا نعبدهم يا رسول الله (ص)؟ ـ قال : أليس كانوا يحلّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم؟ ـ قال : نعم ، قال : هو ذاك (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الاتّفاق في الاتّفاق في الكلمة معكم مع انّ الأنبياء وأممهم كانوا متّفقين في تلك الكلمة (فَقُولُوا) جمع الامّة معه (ص) في الخطاب لانّ هذا الكلام امر بالموادعة معهم بعد إتمام الحجّة وإلزامهم ، وهذا الجميع الامّة بخلاف الكلمات السّابقة فانّها كانت دعوة واحتجاجا وليسا الّا شأنه (ص) ولذلك خصّه في السّابق بالخطاب (اشْهَدُوا) يعنى تبجّحوا وتفاخروا بالانقياد لتلك الكلمة وقولوا لمن تولّوا عن الانقياد : اشهدوا علينا (بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) منقادون لتلك الكلمة (يا أَهْلَ الْكِتابِ) نداء من محمّد (ص) وأمّته لهم على سبيل التبجّح وما بعده من كلامهم أو مستأنف من الله تعالى أو النّداء من الله لهم وعلى اىّ تقدير يدلّ الإتيان بأداة نداء البعيد على كمال غفلتهم وحاجتهم الى نداء البعيد (لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) اى في شريعته وملّته وانّه على اىّ ملّة كان على ما قيل انّ أحبار اليهود ونصارى نجران اجتمعوا عند رسول الله (ص) فتنازعوا في إبراهيم (ع) فقالت اليهود : ما كان الّا يهوديّا ، وقالت النّصارى : ما كان الّا نصرانيّا فأنزل الله هذه الآية (وَما أُنْزِلَتِ