رسول الله (ص) ومعه أمير المؤمنين (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) فقال النّصارى : من هؤلاء؟ ـ فقيل لهم : انّ هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه علىّ بن ابى طالب (ع) وهذه بنته فاطمة (ع) وهذان ابناه الحسن (ع) والحسين (ع) ففرقوا وقالوا الرّسول الله (ص) : نعطيك الرّضا فاعفنا عن المباهلة فصالحهم رسول الله (ص) على الجزية وانصرفوا ، وفي الكشّاف روى : انّه (ص) لمّا دعاهم الى المباهلة قالوا : نرجع وننظر فلمّا تخلّوا قالوا العاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى؟ ـ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النّصارى انّ محمّدا (ص) نبىّ مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيّا قطّ فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لنهلكنّ فان أبيتم الّا الف دينكم والاقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرّجل وانصرفوا الى بلادكم ، فأتوا رسول الله (ص) وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلىّ (ع) خلفها وهو يقول : إذا انا دعوت فأمنّوا ، فقال اسقف نجران : يا معشر النّصارى انّى لأرى وجوها لو سألوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانىّ الى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا ان لا نباهلك وان نقرّك على دينك ونثبت على ديننا ، قال : فاذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ، فأبوا قال : فانّى أناجزكم ، فقالوا : مالنا بحرب العرب من طاقة ولكن نصالحك على ان لا نغزونا ولا تردّنا عن ديننا على ان نؤدّى إليك كلّ عام ألفى حلّة الف في صفر والف في رجب وثلاثين درعا من حديد ؛ فصالحهم على ذلك ، وقال : والّذى نفسي بيده انّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ولو لا عنوان لمسخوا قردة وخنازير ، ولا اضطرم عليهم الوادي نارا ولا استأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على رؤس الشّجر. وعن عائشة رضى الله عنها انّ رسول الله (ص) خرج وعليه مرط مرحّل من شعر اسود فجاء الحسن (ع) فأدخله ثمّ جاء الحسين (ع) فأدخله ثمّ فاطمة (ع) ثمّ علىّ (ع) ثمّ قال: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) ، فان قلت : ما كان دعاؤه الى المباهلة الّا لتبيين الكاذب منه ومن خصمه وذلك امر يختصّ به وبمن يكاذبه فما معنى ضمّ الأبناء والنّساء؟ ـ قلت : ذلك. أكد في الدّلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض اعزّته وأفلاذ كبده واحبّ النّاس اليه لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلك خصمه مع احبّته واعزّته هلاك الاستيصال ان تمّت المباهلة وخصّ الأبناء والنّساء لانّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب وربّما فداهم الرّجل بنفسه وحارب دونهم حتّى يقتل ومن ثمّ كانوا يسوقون مع أنفسهم الظّعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب وقدّمهم في الذّكر على الأنفس لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنّهم مقدّمون على الأنفس مفدون بها ، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (ع) ، وفيه برهان واضح على صحّة نبوّة النّبىّ (ص). تمّ ما نقل من الكشّاف ، وقد نقلناه بطوله ليعلم انّهم مقرّون بفضل أصحاب الكساء وانّهم علىّ (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) ، وانّه لم يكن أحد اعزّ عليه من هؤلاء وانّ من منعهم حقّهم أو آذاهم كان اشدّ على نفسه ممّن منع حقّه وآذاه والحمد لله (إِنَّ هذا) المذكور من بناء عيسى (ع) وحمل مريم (ع) به وتولّده الى آخر ما ذكر في حقّه (لَهُوَ الْقَصَصُ) مصدر قصصت الحديث واقتصصته رويته على جهته وهو بمعناه المصدرىّ اى بمعنى المقصوص وهذا يفيد الحصر سواء كان الضّمير للفصل أو اسما مبتدء ثانيا والمراد الحصر الاضافىّ بالنّسبة الى ما قالوه في حقّ عيسى (ع) فانّه لا يخلو من شوب باطل بخلافه فانّه القصص (الْحَقُ) الّذى لا يشوبه باطل (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) تصريح ببعض ما يستفاد من الحصر السّابق يعنى هذا هو الحقّ لا ما قالوه في حقّه ومن جملة ما قالوه انّه آله وانّه ثالث ثلاثة وما من آله الّا الله (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب الّذى لا يمنع من مراده