في أيدي النّاس ان لم يكن منقوصا منه بحسب ألفاظه وعباراته كما قيل فهو منقوص منه بحسب وجوهه وإشاراته وبطونه ومقاماته ، وانّ القرآن نزل في الائمّة وفي أعدائهم أو أثلاثا أو أرباعا ولنذكر ذلك في فصول.
الفصل الاول
في حقيقة العلم والجهل المشابه للعلم
اعلم انّ الإنسان بحسب مقام بشريّته واقع بين مدينتي العلم والجهل وعالمي النّور والظّلمة وكلّ ادراك أو شهود يقع له أو حال يطرو عليه من حيث توجّهه الى دار العلم أو بحيث يجعله متوجّها إليها فهو علم. وكلّ ادراك أو شهود أو حال يحصل له من حيث توجّهه الى دار الجهل أو بحيث يجعله متوجّها إليها فهو جهل مشابه للعلم لمشابهته للعلم في أصل الإدراك ، ويسمّى جهلا مركّبا في مقابل الجهل الساذج الّذى هو عدم الإدراك ممّن شأنه الإدراك لتركّبه من الإدراك ، وعدم ادراك الجهة العلميّة من المدرك ، أو لتركّبه من عدم ادراك الجهة العلميّة وعدم ادراك عدم ذلك الإدراك ويسمّى داء عياء أيضا لعجز اطبّاء النفوس عن علاجها ، لانّ المعالج يعالج من يجد أو يظنّ بنفسه المرض ويسلّم نفسه للطّبيب وينقاد لأمره وهذا المريض يظنّ بنفسه الصّحة ويتأنّف عن الطّبيب ولا ينقاد لأمره ولمكان هذا الجهل المشابه للعلم صحّ إثبات العلم ونفيه من موضوع واحد كما سيجيء في سورة البقرة عند قوله (لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) وسيجيء تحقيق تامّ للعلم والجهل عند تلك الاية إنشاء الله. وعلامة العلم انّه كلّما ازداد نقص من الانانيّة حتّى يفنيها بالكلّية ، وعلامة هذا الجهل انّه كلّما ازداد زاد في الانانيّة ورؤية النّفس والاعجاب بها حتّى لا يبقى في الإنسان من التّسليم الّذى هو من صفات الإنسان شيء ، وانّ العلم لا يجتمع مع الأغراض الدّنيويّة بل يفنيها ، وانّ الجهل كلّما زاد زاد الأغراض وكلّما ازداد الأغراض ازداد الإنسان في طلبه حتّى انّه يتحمّل المتاعب طول اللّيل والنّهار بإدامة المدارسة والتّكرار وقطع الفيافي والبحار ومقاساة المكاره في الاسفار وإلقاء النّفس في المهالك والاخطار كلّ ذلك بتوهّم التوسّل بتلك الجهالات الى المناصب الدّانيّة والاعراض الفانية والتّصرّف في الأوقاف واموال الغيّاب والأيتام والتّقرّب الى السّلاطين والحكّام والتبسّط في البلاد والتسلّط على العباد وهذا العلم المسمّى بالجهل لا يزيد صاحبه الا البعد من الله والقرب من الشّيطان وقوله تعالى (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ). اشارة الى هذا الجهل والغفلة عن هذا العلم يعنى يعلمون من كلّ مدرك جهته الدّنيويّة الجهليّة لكونهم واقعين في طرف الجهل ولا يعلمون منه جهته العلميّة الاخرويّة لعدم وصولهم الى باب مدينة العلم حتّى يصير ادراكهم علميّا اخرويّا أو يدركون المدركات الدّنيويّة ولا يدركون المدركات الاخرويّة ، وما لم يطهّر القلب من هذه الإدراكات الدّنيويّة لم يظهر على القلب نور العلم فانّه نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، وفي المرتبة الاولى من ظهور هذا النّور يحصل للإنسان الحيرة والسّكوت والاعراض عن المدركات الدّنيويّة ، وفي المرتبة الثّانية يحصل له حال الاستماع والانقياد وترك العلم الّذى يجعله مستبدّا معجبا بنفسه كما عن الصّادق (ع) انّه قيل لرسول الله (ص) : يا رسول الله ما العلم؟ ـ قال : الإنصات قال : ثمّ مه يا رسول الله؟ ـ قال : الاستماع ، ونعم ما قيل :
دل ز دانشها بشستند اين فريق |
|
زانكه اين دانش نداند اين طريق |
دانشى بايد كه اصلش زان سر است |
|
زانكه هر فرعى به اصلش رهبر است |
پس چرا علمي بياموزى بمرد |
|
كش ببايد سينه را زان پاك كرد |