فقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) اشارة الى تمام الحالات الّتى قبل الحيوانيّة أو قبل الانسانيّة ولذا عطف عليه قوله (فَأَحْياكُمْ) بالفاء وهو اشارة الى حدوث الحيوة الحيوانيّة أو الانسانيّة ولذا عطف عليه قوله (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بثمّ ، وقوله (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) اشارة الى حدوث الموت الحيوانىّ أو البشرىّ ولذا عطف عليه قوله (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بثمّ وهو اشارة الى حدوث الحيوة البرزخيّة ولذا عطف عليه قوله (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بثمّ ، وهو اشارة الى ما بعد البرزخ والأعراف ولم يقل ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم لما ذكر انّه في أهل الخير حيوة على الحيوة.
تحقيق خلق جميع الأشياء حتى السّموم وذوات السّموم لنفع الإنسان
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ) الجملة حال عن سابقتها أو مستأنفة ولم يأت بأداة الوصل للاشعار بكثرة النّعم وانّها ينبغي ان تعدّ كالمعدودات الكثيرة في معرض التّعداد (لَكُمْ) اى لإيجاد كم وخلقكم فانّ كلّما في الأرض تقدمة لخلق الإنسان بل كلّ ما سوى الله مقدّمة لخلق الإنسان فانّه كما حقّق في محلّه آخر الأنواع وآخر الفعل أشرف لانّه غايته فهو غاية الغايات ونهاية النّهايات بل نقول : لمّا كان الغرض الزائد على ذات الحقّ تعالى منفيّا عن فعله للزوم استكماله وهو محال كما قرّر في موضعه فجعل الإنسان غاية وغرضا دليل على انّه ينتهى الى ذات الحقّ وما انتهى الى ذاته فهو أشرف من كلّ شريف بعده تعالى ، أو المعنى لانتفاعكم في بقائكم فانّ الإنسان في بقائه محتاج الى أصل العناصر ومواليدها ، أو المعنى لخلقكم وانتفاعكم في بقائكم جميعا وما يتراءى من عدم توقّف خلقة الإنسان أو بقائه على أكثر المعادن والنّباتات والحيوانات بل التّضرّر ببعضها كالسّموم وذوات السّموم خطاء من عدم الاطّلاع على كفّية الارتباط بين المعلولات فانّ بعضها أصل ومقصود بالذّات ، وبعضها علّة لخلقة ما هو المقصود أو لكماله ، وبعضها شرط وبعضها لازم كما هو مشهود في موجودات ارض العالم الصّغير فانّه لا اختصاص لقوله تعالى شأنه (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) بأرض العالم الكبير بل نقول كلّما ذكر ارض وسماء فالنّظر اوّلا الى العالم الصّغير وما لم يعرف في العالم الصّغير لا يعرف في العالم الكبير لانّه نسخة موجزة عن الكبير بمطالعته يمكن مطالعة ما في الكبير وما في ارض العالم الصّغير (١) امّا علّة أو شرط لحدوث الإنسان الحقيقىّ الّذى هو آدم أبو البشر أو لبقائه ، أو علّة أو شرط لكماله وتجمّله ، أو لازم لحدوثه وبقائه أو علّة بوجه ولازم بوجه فانّ الأعضاء الرّئيسة يتوقّف عليها حدوث الإنسان وبعض الأعضاء الآخر شرط لحدوث الأعضاء الرّئيسة أو لحفظها ، وبعضها شرط لبقاء الإنسان ، وبعضها لتجمّله ، وبعضها لازم لخلقته ، وبعضها شرط بوجه ، ولازم بوجه ، فانّ الطّحال والمرارة كذوات السّموم والمرّتان كالسّموم وفيها منافع ذكرت في مقامها ، والشّعر والظّفر مع أنّهما اخسّ الاجزاء ولا حيوة لهما لازمان لخلقته وبقائه ، ويتوقّف عليهما تجملّه ، وإذا أريد بالأرض والسّماء الأرض والسّماء اللّتان في العالم الصّغير لم يبق إشكال في عطف قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) بثمّ فانّ خلقة سماوات العالم الصّغير من حيث اضافتها الى أرضه بعد تمام أرضه وتمام ما فيها وامّا في العالم الكبير فان أريد بالسّماء الاجرام العلويّة فخلقتها مع خلقة أرضه ، وان أريد بالسّماء الأرواح لعلويّة فخلقتها قبل أرضه ، وكلّما ذكر في الاخبار ممّا يدل على تأخرّ خلق السّماء عن الأرض فهو منزّل على العالم الصّغير وعلى تنزيل الآية على العالم الكبير فالعطف بثمّ لتفاوت الاخبارين والخلقتين
__________________
(١) المراد بالعلّة : احدى العلل الأربع ، الصورة والمادّة والفاعل والغاية والمراد بالشّرط ، ماله مدخليّة في إيجاده وبقائه بوجوده أو عدمه أو كليهما وينقسم الى الشّرط المصطلح والمعدّ المانع.