نزلت في علىّ (ع) كانت معه اربعة دراهم فتصدّق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرّا ، وبدرهم علانيّة. وليس المراد من مثل هذا الخبر تعيين درهم واحد للّيل ، ودرهم واحد للنّهار حتّى يغاير درهم السّرّ درهم العلانية بل المراد انّه (ع) تصدّق بشيء في اللّيل وبشيء في النّهار وبشيء في السّرّ ليلا أو نهارا وبشيء في العلانية ليلا أو نهارا ، وقيل : انّ الآية إذا نزلت في شيء فهي منزلة في كلّ ما تجري فيه ، والاعتقاد في تفسيرها انّها نزلت في أمير المؤمنين (ع) وجرت في النّفقة على الخيل وأشباه ذلك ، وفي خبر : انّها ليست من الزّكاة.
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) منقطعة عن السّابق لابداء حكم آخر أو جواب سؤال ناش عن سابقه كأنّه قيل : قد علم حال المنفق فما حال آخذ مال الغير؟ ـ أو فما حال آخذ الرّبوا؟ ـ فقال : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) والأكل هاهنا وفي كثير من الآيات بمعنى الأخذ والتّصرّف سواء كان التّصرّف بالأكل اللّغوىّ أم لا ، وذكر الأكل لأنّه عمدة منافع المال وعمدة مقاصدهم منه ، والرّبوا بالكسر الزّيادة على رأس المال ورسم ان يكتب بالواو والالف اشعارا بمادّته وتشبيها لواوه بواو الجمع وسيجيء بيانه ووجه حرمته (لا يَقُومُونَ) عن قبورهم أو عن قعود أو بأمور معاشهم (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ) تخبّط الشّيطان فلانا مسّه بأذى أو أفسده أو أفسد عقله (مِنَ الْمَسِ) من أجل مسيسه ايّاه وقد يكون المسّ بمعنى الجنون لكنّ المناسب هنا ما ذكرنا.
بيان الخبط من مسّ الشّيطان
اعلم انّ الإنسان واقع بين عالم الجنّة والشّياطين وعالم الملائكة وقابل لتصرّف الأرواح الخبيثة والأرواح الطيّبة فيه ، وقوله (ع): لكلّ إنسان شيطان يغويه وملك يزجره ؛ يشير اليه فاذا بلغ مبلغ الرّجال وحصل له العقل الّذى هو مناط التّكليف والتّدبير وقع في تصرّف الملك والشّيطان ، وأسباب غلبة كلّ منهما داخلة وخارجة كثيرة مثل اختلاف الاستعدادت بالذّات وتخيّل المتخيّلات الممدّة لكلّ ومدد مركب النّفس بالاغذية المباحة أو المشتبهة والاغذية المأكولة على تذكّر وجمعيّة البال ، أو على غفلة وتفرقة ، ومثل ادراك مدرك موافق لكلّ بالمدارك الظّاهرة ، والمجالسة مع الأخيار والأشرار والاشتغال بأعمال الأبرار والفجّار وغير ذلك وتصرّف الشّيطان في أغلب النّاس بالغلبة عليهم بحيث يصدر أفعالهم من الشّيطان أو بمشاركته من غير استشعار لهم بذلك مع بقاء العقل الّذى هو مناط تدبيرهم وكونه خادما للشّيطان ، وقد يغلب على بعض بحيث يذهب العقل منه فان كان في قلبه ومداركه قويّا يبقى الشّعور له والّا يغشى عليه ، وقد يظهر صورة الجنّ عليه في حال ذهاب العقل شاعرا أو مغشيّا عليه وقد لا يظهر أو لا يستشعر ، وقد يخبر بالأمور الغائبة ابتداء وقد يستنطق عن المغيبات ويستخبر في خبر شاعرا أو غير شاعر ، وقد يقع المناسبة بينه وبين الأرواح الخبيثة بحيث يشاهد عالمها ويشاهد صور عالم الطّبع فيه من دون زوال عقله فيخبر بالمغيبات والآتيات ، أو يظهر عليه بعض من الشّياطين والجنّة فيخبره بخبر السّماء والأرض فيغترّ بأنّه من عالم الأرواح الطيّبة وقد زعم المغترّون بهذا العالم وأهله انّ عالم الأرواح واحد وانّ طريق الوصول اليه متعدّد وانّ أقرب الطّرق للوصول اليه طريق الرّياضات الغير الشّرعيّة وارتكاب منافيات الشّرائع الإلهيّة من سفك الدّماء المحرّمة وخصوصا دم الإنسان وشربها والزّنا لا سيّما مع المحارم وانتهاك حرمة الكتب السّماويّة ، وما اشتهر منهم من تعليق القرآن وسائر الكتب السّماويّة في المزابل صحيح ، وقد يظهر أنواع الخوارق والاخبار بالمغيبات والآتيات منهم ، وعن الباقر (ع) في بيان ما ذكر انّه ليس من يوم ولا ليلة الّا وجميع الجنّ والشّياطين تزور ائمّة الضّلالة ويزور امام الهدى عددهم من الملائكة حتّى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة الى ولىّ الأمر خلق الله أو قال قيّض الله عزوجل من الشّياطين بعددهم ثمّ زاروا ولىّ الضّلالة فأتوه بالإفك والكذب حتّى يصبح