سورة آل عمران
وهي مدنيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قد مضى اوّله في اوّل سورة البقرة مفصّلا وما بعده في آية الكرسيّ (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب والشّرائع (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ) هو اسم لكتاب موسى (ع) أعجميّ ودخول اللّام عليه لتعريبه ، أو هو عربيّ من ورى الزند إذا ظهرت ناره ، أو من واراه إذا ستره ؛ وأصله وورية مثل دحرجة مصدر الفعل الملحق بدحرج فأبدلت الواو تاء والياء ألفا (وَالْإِنْجِيلَ) بكسر الهمزة وفتحها وهو أيضا عجمىّ ودخول اللّام لتعريبه أو عربيّ مأخوذ من النّجل بمعنى الولد أو الوالد أو الرّمى بالشّيء ، أو العمل ، أو الجمع الكثير ، أو السّير الشّديد ، أو المحجّة أو محو الصبىّ لوحه أو من النّجل بالتّحريك بمعنى سعة العين (مِنْ قَبْلُ) اى قبل القرآن أو هذا الزّمان (هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) اى القرآن ، ويعلم من هذا انّ المراد بالكتاب في اوّل الآية جملة الكتاب الّتى نزلت على قلبه (ص) في ليلة القدر ، أو جملة احكام الرّسالة ، أو آثار الولاية الّتى فصّلت بالتّنزيل على مقام صدره وبالتّعبير بالعبارات النّفسيّة واللّفظيّة بألفاظ الكتاب الإلهيّ والاخبار القدسيّة والنّبويّة فعلى هذا يكون الفرقان مصدرا بمعنى المفروق المفصّل أو بمعنى الفارق المفصّل وقد فسّر في اخبار كثيرة القرآن بجملة الكتاب ، والفرقان بالمحكم الواجب العمل به ؛ وهو يشعر بما ذكرنا وقد مضى بيان للقرآن والفرقان ويستنبط ممّا ذكر وجه التّعبير بالتّنزيل في تنزيل الكتاب وبالانزال في إنزال التّوراة والإنجيل والفرقان ؛ فانّ نزول الكتاب كان من مقام الإطلاق الى مقام التّقييد وكان محتاجا الى كثير تعمّل من جانب القابل المستعدّ لنزوله بخلاف نزول التّوراة والإنجيل والفرقان فانّها نزلت من مقام التّقييد الاجمالىّ الى مقام التّقييد التّفصيلىّ فلم تكن محتاجة الى كثير تعمّل ولذلك لم يأت فيها بالتّنزيل الدّالّ على المبالغة ولمّا صار المقام مقام السّؤال عن حال من كفر بالكتب أجاب تعالى بقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) مؤكّدا بالتّأكيدات ، والآيات اعمّ من الآيات الانفسيّة والآفاقيّة والتّدوينيّة فانّ شؤنات النّفوس ووارداتها الجسمانيّة والنّفسانيّة وموجودات العالم الكبير كلّها آيات جماله وجلاله تعالى ، والمراد بالكفر بالآيات الكفر بها من حيث كونها آيات لا من حيث ذواتها في أنفسها فانّ كثيرا من الكافرين بالآيات مشاهدون لذواتها غير ساترين لها مع انّهم كافرون بها من حيث انّها آيات (وَاللهُ عَزِيزٌ) جملة حاليّة