فهم جمعوا سواقط خيالات النّاس ولذا استعمل فيه القمش الّذى هو جمع القماش الّتى هي ما سقط على وجه الأرض ، وسمّى سواقط خيالات النّاس ممّا سمّوه مسائل علميّة بالجهل فقال : قمش جهلا في جهّال النّاس اى جمع ما سمّوه علما في بين علماء النّاس الّذين سمّاهم أشباه النّاس علما ، فمعنى الآية على ما عرفت من معنى العلم وإطلاقاته ، ولقد علموا اى أدركوا إدراكا يسمّى في عرف أهل الله بالجهل لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون حقيقة لامتنعوا (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) ولو انّ اليهود ومن يليهم من النّواصب آمنوا بالايمان العامّ أو بالايمان الخاصّ أو أقرّوا وأذعنوا بالكتاب الّذى نبذوه وراء ظهورهم وهو عطف على لمن اشتراه ، أو على سائر الجمل السّابقة لكن عطفه على قوله (لَمَنِ اشْتَراهُ) أوفق بحسب أجزاء ما بعده (وَاتَّقَوْا) مخالفة من بايعوا معه أو اتّباع ما تتلو الشّياطين (لَمَثُوبَةٌ) لهم (مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) ونكّر المثوبة للاشعار بأنّ ما يصدق عليه المثوبة أىّ شيء كان يسيرا أو كثيرا خير ولم يأت بالجملة الفعليّة للاشعار بأنّ لزوم المثوبة أمر مفروغ عنه والمحتاج الى البيان لزوم خيريّة المثوبة لا نفس المثوبة ، ولم يأت بالمفضّل عليه لعدم الاعتداد به وليذهب ذهن السّامع كلّ مذهب (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لو للتّمنّى أو للشّرط (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالايمان العامّ والبيعة العامّة روى أنّه ليس في القرآن يا أيّها الّذين آمنوا الّا وهي في التّوراة يا أيّها المساكين (لا تَقُولُوا راعِنا) كانوا يقولون للنّبىّ (ص) راعنا الى لاحظنا محسنا إلينا ، أو استمع لمقالنا ، وكان تلك الكلمة سبّا في لغة اليهود بمعنى اسمع لا سمعت كما في الصّافى فكان اليهود يتوسّلون بتلك الكلمة الى شتم رسول الله (ص) فنهى الله المؤمنين عن تلك الكلمة (وَ) قال : (قُولُوا انْظُرْنا) فانّها ليست شتما في لغتهم حتّى يتوسّلوا بها الى شتم الرّسول (ص) (وَاسْمَعُوا) إذ قال لكم رسول الله (ص) قولا وأطيعوا ، أو المعنى : واسمعوا نهيي لكم عن هذا القول ، وأمرى لكم بهذا القول ، (وَلِلْكافِرِينَ) يعنى اليهود الشّاتمين (عَذابٌ أَلِيمٌ ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ابتداء كلام لبيان مرام آخر ولذا قطعه عمّا قبله (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) اليهود والنصارى (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) ولا من المشركين الّذين منهم النّواصب والمنافقون بمحمّد (ص) وعلىّ (ع) أو منافقوا الامّة داخلون في أهل الكتاب (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) من الآيات المزيّدات في شرف محمّد (ص) وعليّ (ع) وآلهما الطّيبّين (ع) أو من نعمة من نعم الدّنيا ، أو من غلبة وغنيمة من الخصم (وَاللهُ يَخْتَصُ) يميز (بِرَحْمَتِهِ) اى ولاية علىّ (ع) فانّها رحمته تعالى أو نبوّته أو تصديق نبيّه أو ولايته وإمامته (مَنْ يَشاءُ) من عباده ودّوا ذلك أو كرهوا (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) على من يختصّه برحمته.
بيان النّسخ واقسامه
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) النّسخ لغة الازالة والتّغيير والابطال واقامة شيء آخر مقام المبطل والمسخ ، ونسخ الكتاب وانتسخه واستنسخه كتبه ، وشرعا رفع حكم ثابت في الشّريعة بعد العمل به سواء كان النّاسخ والمنسوخ من شريعتين أو من شريعة واحدة ، وسواء كان بالنّسبة الى عامّة الخلق أو بالنّسبة الى أشخاص مخصوصين ، أو بالنّسبة الى شخص واحد بحسب أحواله المختلفة ؛ والاوّل هو النّسخ