وبالعلىّ وباعتبار هذين العنوانين قال تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) و (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) وهل هو مشتقّ أو جامد بمعنى انّه من الأوصاف المشتقّة من المصادر أو ليس اسما مشتقّا بل هو مصدر أو اسم مصدر أو اسم ليس له مادّة متصرّفة ، أقوال ؛ فقيل انّه من مادّة اله الهة والوهة مثل نصر بمعنى عبد وأصله اله بكسر الهمزة حذف الهمزة وعوّض عنها لام التّعريف ولذلك أو لمطلوبيّة التّطويل والتّفخيم في نداء المحبوب لم يحذف ألفه في النّداء ، أو من اله كفرح بمعنى تحيّر أو اشتدّ جزعه عليه أو فزع اليه ولاذ به أو بمعنى أجاره ، وقيل من مادّة وله من باب حسب وعلم وضرب بمعنى حزن وتحيّر وخاف وجزع أو من مادّة لاه الله الخلق يلوه بمعنى خلقهم أو من لاه يليه بمعنى تستّر أو علا ، وقيل : أصله لاها بالسّريانيّة فعرّب بحذف الالف الاخيرة ودخل لام التّعريف عليه وقيل كان أصله هو لانّه موضوع لغائب معهود معروف والغائب عن الأبصار مطلقا والمعهود المعروف للقلوب على الإطلاق هو الله ثمّ ادخل عليه لام الاختصاص للاشعار باختصاص كلّ ما سواه به ، ثمّ أشبع فتحة اللّام تفخيما ثمّ ادخل لام التّعريف عليه لتفخيم آخر فصار الله.
و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) صفتان لله أو للاسم فانّ أسماء الله العينيّة كما انّها مظاهر لله مظاهر لجميع صفاته تعالى وجعلهما صفتين للاسم اولى من جعلهما صفتين لله للزوم التأكيد على الثّانى مع ما بعده دون الاوّل ولانّ المنظور الاتّسام باسم يكون به قوام الفعل المبتدأ به وينتهى الفعل اليه وهذا معنى كون الاسم متّصفا بصفة الرّحمانيّة والرّحيميّة وهما مأخوذتان من رحم بكسر العين للمبالغة أو من رحم بضمّ العين صفتين مشبّهتين وعلى اىّ تقدير فالرّحمن أبلغ من الرّحيم لزيادة مبناه ولعدم اختصاص الرّحمة الرّحمانيّة بشيء دون شيء وبحال دون حال وبجهة دون جهة بخلاف الرّحمة الرّحيميّة فانّها مختصّة بالإنسان ومن كان مثله سالكا الى الرّحمن وبحال كونه على رضاه ومن جهة كونه على رضاه وامّا غير الإنسان فانّ العناصر والمواليد لا توصف بالرّحمة الرّحيميّة ولا بالغضب الّذى هو ضدّها والأرواح العالية وجودهم كما هو رحمة رحمانيّة رحمة رحيميّة ولا تمايز بين الرّحمتين فيهم كما لا يتصوّر جهة غضب فيهم والأرواح الخبيثة قد يجوز ان يتّصفوا بالرّحمة الرّحيميّة لكنّ الأغلب انّهم متّصفون بالغضب وذلك انّ الرّحمة الرّحمانيّة عبارة عن افاضة الوجود على الأشياء وابقائها وإكمالها بالكمالات اللائقة بفطرتها وهذا عامّ لجميع الأشياء دنيويّة كانت أو اخرويّة اناسىّ كانت أو غير اناسىّ ولذلك قال الرّحمن (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وفسّروه باستواء نسبته الى الجليل والحقير وورد : يا رحمن الدّنيا والآخرة ، وورد عن الصّادق (ع) انّ الرّحمن اسم خاصّ لصفة عامّة وورد عن أمير المؤمنين (ع) انّ الرّحمن الّذى يرحم ببسط الرّزق علينا أو العاطف على خلقه بالرّزق لا يقطع عنهم موادّ رزقه وان انقطعوا عن طاعته ، ومن المعلوم انّ رزق الأعيان الثّابتة افاضة الوجود عليها ورزق الموجود افاضة ما به بقاء وجوده والرّحمة الرّحيميّة عبارة عن افاضة الكمالات الاختياريّة المرضيّة على المختارين من الانس والجنّ ولذلك ورد انّ الرّحيم اسم عامّ لصفة خاصّة وورد عنهم (ع) الباء بهاء الله والسّين سناء الله والميم مجد الله وفي رواية ملك الله والله اله كلّ شيء ، الرّحمن بجميع خلقه والرّحيم بالمؤمنين خاصّة وما ورد انّه الرّحيم بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعاته وبعباده الكافرين في الرّفق في دعائهم الى موافقته فتعلّق الرّحمة الرّحيميّة بالكافرين انّما هو من جهة بقاء فطرتهم واقتضائها فعليّة مرضيّة اختياريّة من الفعليّات المرضيّة تقتضي تلك الفعليّة الرّفق بهم ودعائهم الى الدّين والمداراة معهم في الدّنيا والنّصيحة لهم في امر العقبى وفي آخر الخبر المروىّ عن أمير المؤمنين (ع) الرّحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا خفّف علينا الدّين وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه فالرّحمة الرّحيميّة بمعنى