مفيد للاستغراق وليس المراد به الايمان الإجمالي والّا لشاركه غيره فيه بل الايمان التّفصيلى والايمان التّفصيلى لا يكون الّا بإدراك المؤمن به شهودا وعيانا.
الفصل الحادي عشر
في تحقيق انّ القرآن ذو وجوه
روى عن النّبىّ (ص) انّه قال انّ القران ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه. وهذا الخبر كالقرآن ذو وجوه وهو مراد بكلّ الوجوه فانّ القرآن يجوز ان يكون ذا وجوه بحسب موادّ ألفاظه أو هيئاتها وتصريفها أو اعرابها وتركيبها وسيجيء تحقيق ذلك في الفصل الآتي. ويجوز ان يكون ذا وجوه بحسب دلالة ألفاظه ومصاديقها ، وهذه الدّلالة وكثرة المصاديق امّا ان تكون في الطّول بمعنى انّ كلّ لفظ من القرآن يدلّ على مفهوم واحد له مصاديق بحسب النشآت الطوليّة يكون كلّ عال من المصاديق مع الدّانى بمنزلة الرّوح والجسد ومتّحدا معه اتّحاد الرّوح مع الجسد وهذا هو معنى التّنزيل والتّأويل والظهر والبطن ، وقد مضى انّ القرآن له مصاديق متعدّدة بحسب النشآت وانّ مصاديقه الطبيعيّة ظهوره وتنزيله ، ومصاديقه الرّوحانية بطونه وتأويله ، فهذا الوجه جار في القرآن ومراد من هذا الخبر ، وامّا ان تكون في العرض بمعنى انّ كلا من المصاديق يكون مغايرا للآخر ومقابلا له لا متّحدا معه وروحا له مثل لفظ يزكّى في قوله تعالى (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) فانّه يجوز ان يكون بمعنى ينمى ويطهّر ويخرج الزّكاة وينعمّ ويظهر النّماء أو الطّهارة أو التّنعمّ ، والقرآن يكون ذا وجوه بهذا المعنى أيضا فانّه ورد في الاخبار تفسير الآيات بالمعاني المتخالفة المتغايرة بل المتضادّة مثل تفسير الامانة في قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) فانّها فسّرت بمطلق التّكليف وبالصّلوة مخصوصة وبالولاية وبخلافة علىّ بن ابى طالب (ع) وبالخلافة الظاهريّة وبشهادة الحسين بن عليّ بن ابى طالب (ع) ولا شكّ انّ الخلافة الظاهريّة والوصاية مغايرتان معا وهما مغايرتان للشّهادة والكلّ مغايرة للتّكليف والصّلوة ، ولا شكّ انّ الكلّ كانت مندرجة في لفظ الامانة حين نزوله على محمّد (ص) والّا لزم ان يكون تفسيرهم (ع) بغير ما كان مندرجا في اللّفظ مرادا منه ولا امتناع من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى من اندراج المعاني العديدة في اللّفظ الواحد وسعة المخاطب والمخاطب واحاطتهما بجميع المعاني المحتملة وجواز اندراجها بالقوّة في الّلفظ الواحد تجوّز لحاظ الجميع فيه وهذا الاندراج بنحو عموم الاشتراك أو عموم المجاز أو دخول الجزئيّات في المفهوم الكلّى أو بنحو لحاظ الصّور العديدة في المرآة الواحدة من غير اعتبار معنى كلّى بنحو عموم الاشتراك والمجاز أو بنحو الوضع للمعنى الكلّى فانّ اللّفظ إذا صحّ إطلاقه على معان عديدة بنحو الحقيقة والمجاز أو بنحو الاشتراك اللّفظى أو الاشتراك المعنوىّ جاز للمحيط ان يلاحظ في اللّفظ جميع تلك المعاني بالفعل من غير اعتبار معنى كلّى فيه اوّلا ثمّ اعتبار تلك المعاني نعم لا يمكن للنّاقص اعتبار معان عديدة متناهية أو غير متناهية بالفعل في لفظ واحد من غير اعتبار معنى كلّى يكون هو مناط اعتبار تلك الجزئيّات بل يعتبر معنى كلّيّا بالفعل يكون تلك الجزئيات معتبرة فيه بالقوّة لا بالفعل والاخبار المشيرة الى سعة وجوه القرآن كثيرة مثل ما روى عن النّبىّ (ص) بطريق العامّة انّ القرآن نزل على سبعة أحرف كلّها كاف شاف ، وهذا الخبر كما يجوز حمله على ما روى عنه (ص) أيضا انّه قال نزل القرآن على سبعة أحرف امر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل ، وما روى في رواية اخرى انّه قال : زجر وامر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ، من جعل الأحرف عبارة من أقسام