تحقيق استمرار الصّلوة والزّكاة للإنسان تكوينا
واعلم أيضا انّ الإنسان خلق ذا قوّة وفعليّة من اوّل خلقة مادّته الى مرتبته الاخيرة الّتى هي بالفعل من كلّ جهة وليس فيها قوّة فالنّطفة لها فعليّة النّطفة وقوّة العلقة قريبة وقوّة المضغة والجنين والطّفل الإنساني وهكذا بعيدة ، وما لم ينقص من فعليّة النّطفة شيء لم يحصل من فعليّة العلقة شيء ويحصل بالاتّصال والاستمرار فعليّة العلقة بقدر نقصان فعليّة النّطفة الى ان صار العلقة بالفعل من جهة كونها علقة ثمّ يصير فعليّة العلقة في النقصان وفعليّة المضغة في الحصول والازدياد وهكذا جميع المراتب فانّ فعليّة كلّ مرتبة موقوفة على نقصان سابقتها أو فنائها ، وهذا النقصان والفناء زكوة الإنسان تكوينا ، وذلك الحصول والازدياد صلوته تكوينا لانّ الزّكاة إعطاء فضول المال وتطهير باقيه ، وهذا أيضا كذلك والصّلوة جلب الرّحمة وطلبها والازدياد المزبور جلب للرّحمة الّتى هي كمالات الإنسان واستجماع لها ، ولمّا كان التّكليف موافقا للتّكوين وحسن الأعمال الاختياريّة بكونها مطابقة للافعال التّكوينيّة لم يبعث نبىّ قط الّا بتشريع الصّلوة والزّكاة وجعلهما أصلا وعمادا لتمام الأعمال الشّرعيّة الفرعيّة لكن وضعهما وصورتهما في الشّرائع مختلفة غير متوافقة ، وتقديم الصّلوة في هذه الآية وفي سائر الآيات على الزّكاة امّا لتقدّمها طبعا لانّ إسقاط ما في اليد موقوف على وجدان غيره أو طلب الأفضل منه والصّلوة كما علمت وجدان أو طلب للكمال المفقود بعد الاتّصاف بكمال موجود ، فما لم يطلب الإنسان كمالا آخر لا يترك كمالا حاصلا وقيل بالفارسيّة :
تا نبيند كودكى كه سيب هست |
|
أو پياز گنده را ندهد ز دست |
أو لانّ الصّلوة أشرف والاهتمام بها أتمّ لانّها طلب ووجدان ، والزّكاة ترك وفقدان.
(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أنفق من باب الأفعال من نفق ماله اى نفد لكن خصّص بإنفاق المال فيما ينتفع به وتقديم الظّرف للاهتمام ومراعاة رؤس الآي وللحصر كأنّه أراد أن يشير الى انّ الأموال قد تحصل بأمرنا ومن الوجه الّذى قرّرناه لتحصيلها ، وقد تحصل بأمر الشّيطان ومن الوجه الّذى نهينا عنه ، وقد تحصل بشركة الشّيطان ، وكذا العلوم والقوى والشّؤن والنّيّات والخيالات المتولّدة في عالم الإنسان وانّ المؤمن لا يوجد في ملكه الّا ما رزقناه لانّه لو أراد الشّيطان ان يداخله في تحصيل ماله تذكّر فاذا هو يبصر ويتّقى فلا ينفق الّا ما رزقناه ، ولهذا الوجه عدل عن قوله يؤتون الزّكاة وكأنّك تفطّنت ممّا أسلفنا بتعميم ما رزقهم الله وتعميم الإنفاق فانّ الإنفاق الاختيارىّ للإنسان من اوّل بلوغه بل من اوّل زمان تمرينه الى آخر مقام الإطلاق والخروج من التعيّنات ، وروى عن الصّادق (ع) انّ معناه وممّا علّمناهم يبثّون ، وهذا بيان لأحد وجوه المرزوق والإنفاق بحسب اقتضاء المقام ، وإدخال من التبعيضيّة للاشعار الى التّوسط في الإنفاق وانّه لا ينبغي إنفاق الجميع كما لا ينبغي التّقتير وعدم الإنفاق.
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ان كانت الباء للسّببيّة صحّ ارادة كلّ من المعاني الشّرعية واللّغويّة من الايمان وان كانت صلة للايمان فمعناه التّصديق أو الإذعان والمراد بما انزل اليه جملة ما نزل اليه من القرآن والأحكام ، أو خصوص ما نزل في ولاية علىّ (ع) من القرآن ، أو خصوص ما نزل من حقيقة الولاية على قلبه ؛ هذا إذا كان ما موصولة أو موصوفة ، وإذا كانت مصدريّة فالمعنى الايمان بنفس الوحي وإنزال الكتاب من دون اعتبار المنزل.
(وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من الشّرائع والكتب أو من التنصيص على ولاية الأوصياء أو من الولايات