وحاكما لهم ولقومه ، وكانوا محاربين للابالسة والجنّة طاردين لهم عن وجه الأرض سارقين للشّيطان رافعين له الى سمائهم ، والمأمور بسجدة آدم من حيث مقام الآدميّة وان كان هذا النّوع من الملائكة لكنّ المأمور بسجدته من حيث سائر مقاماته بل من حيث مقام علويّته المكمونة جميع أنواع الملائكة بل جميع الموجودات الامكانيّة لأنّ جميع الموجودات واقعة تحت تصرّف أرباب أنواعها ومسخّرة لها ، وجميع أرباب الأنواع واقعة تحت تصرّف ربّ النوع الانسانىّ ومسخرّة له ، وقد أشير في الاخبار الى ذلك وانّ آدم صار مسجودا لكون علىّ (ع) والائمّة في صلبه.
تحقيق كيفيّة قول الله وأمره للملائكة
(إِنِّي جاعِلٌ) اى خالق فقوله (فِي الْأَرْضِ) ظرف للجعل أو هو من جعل بمعنى صيّر المعدّى الى المفعولين فقوله (فِي الْأَرْضِ) مفعول ثان (خَلِيفَةً) منّى يأمر بأمرى وينهى بنهيى ويعدل بعدلي ، أو خليفة منكم في الأرض لاصلاح الأرض بعد رفعكم الى السّماء ، أو خليفة من الشّياطين والجنّة بعد ان طرد تموهم عن وجه الأرض وقوله تعالى للملائكة ليس بنداء يسمع ولا بصوت يقرع بل نقول : انّ العوالم مترتّبة بعضها فوق بعض والعالي محيط بالدّانى ومصدر له ومظهر للأعلى ، وكلّما يريد العالي إيجاده من فعل أو وصف أو ذات في العالم الدّانى يظهر تلك الارادة وذلك المراد بصورته وتمام أوصافه ولوازمه بل بحقيقته الّتى هي أحقّ به من حقيقته الّتى هو بها هو في العالم المتوسّط بين العالي وذلك الدّانى ، وذلك الظّهور هو قول العالي بالنّسبة الى ما ظهر فيه فاذا أراد الله خلق آدم البشرىّ في عالم الطّبع يظهر لا محالة تلك الارادة وهذا المراد في عالم الواحديّة وهو عالم المشيّة بوجه وعالم الأسماء والصّفات بوجه وعالم اللّاهوت بوجه وعالم علويّة علىّ (ع) بوجه وتلك الصّورة بل الحقيقة الظّاهرة إنسان لاهوتىّ ثمّ يظهر في عالم الملائكة المهيمنين ثمّ في عالم الصّافّات صفّا ثمّ في عالم المدبّرات امرا ثمّ في عالم ذوي الاجنحة ثمّ في عالم الرّكّع والسّجّد ثمّ في عالم الطّبع ، ثمّ في الملكوت السّفلىّ وهي عالم الجنّة والشّياطين ، وظهور آدم (ع) على مراتب الملائكة بتمام لوازمه وأوصافه ومن جملتها خلافته من الله في الأرض قوله تعالى لهم (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ،) والمقرّبون من الملائكة لاحاطتهم وسعة ادراكهم أدركوا من آدم (ع) لوازمه وصفاته الظّاهرة والباطنة وماله بالفعل وما فيه بالقوّة فعلموا أنّه مركّب من الاضداد ومحلّ للرّذائل موصوف بالشّهوات المستدعية لهيجان الغضب والتباغض مع من منعه عن مشتهاه والغضب يقتضي القتل والأسر والنّهب والإفساد ، وعلموا أيضا انّه محلّ ووعاء للانسانيّة الّتى من شأنها تسخير الاضداد واطاعة المتضادّات وأنّه بكلّ من أوصافه مناسب لموجود من الموجودات ولا يمكن ان يكون الخليفة بين المتضادّات غير آدم الّذى هو مجمع الاضداد فلم يستعجبوا من استخلاف آدم ولم يستنكروه ، وامّا ملائكة الأرض فلمّا كان لكلّ شأن واحد ولشأنه حدّ محدود لا يتجاوزه نظيرهم القوى والمدارك الانسانيّة فانّ لكلّ شأنا ولشأن كلّ حدّا مثل قوّة السّمع شأنه مقصور على ادراك الأصوات ، وإدراكه للأصوات محدود بحدّ معيّن من الصّوت والمسافة لم يدركوا من آدم سوى ما عليه ظاهره من كونه مجمعا للاضداد مقتضيا للقتل والنّهب والفساد ، ولم يدركوا باطنه من الانسانيّة المسخّرة للكلّ واستعجبوا من استخلافه واستنكروه وأطلقوا لسانهم اللّائق بحالهم و (قالُوا) بصورة الإنكار (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) كما كان هذا فعل الشّياطين والجنّ ولا تجعل منّا خليفة يعدل في الأرض ويرفع الفساد ويحفظ الدّماء وتجعلنا مطيعين لمثل هذا محكومين له.