اغتررتم ونسيتم ذنوبكم وأردتم الالتجاء الى أعدائكم كأبي سفيان وعبد الله بن أبىّ (فَآتاهُمُ اللهُ) بسبب ثباتهم على القتال والتجائهم الى الله واستغفارهم منه واستنصارهم له (ثَوابَ الدُّنْيا) من الظّفر والغنيمة والهيبة والرّعب في قلوب الأعداء وحسن الصّيت والرّاحة من القتال بسبب علوّ كلمتهم وتسليم عدوّهم لهم وفوق الكلّ الالتذاذ بقرب الله ومناجاته (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) من المراتب العالية من الجنّات العالية مثل جنّة عدن وجنّة الرّضوان ونعيمها ممّا وصف وممّا لم يوصف ولم يخطر على قلب بشر وانّما أتى بالحسن في ثواب الآخرة للاشعار بانّ ثواب الآخرة ذو مراتب كثيرة بعضها حسن وبعضها أحسن وآتاهم الله أحسنها لانّ الحسن المضاف الى امر ذي مراتب كلّها حسن يراد به حسن الأحسن منها كأنّ الأحسن حسن بالنّسبة وغير الأحسن غير حسن بالنّسبة الى الأحسن ، أو المراد ثواب الآخرة مطلقا والثّواب مطلقا حسن لكنّه أضاف الحسن الى ثواب الآخرة دون ثواب الدّنيا للاعتناء بثواب الآخرة دون ثواب الدّنيا كأنّه ليس له حسن (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) اى يحبّهم ووضع الظّاهر موضع المضمر إيماء الى انّهم محسنون واشعارا بعلّة المحبّة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظّاهره ناداهم بعد ما عرّض بهم تلطّفا بهم وجذبا لقلوبهم حتّى يتّعظوا بوعظه ويقبلوا نصحه (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) قد مضى وجه التّعبير بالرّدّ على الأعقاب وانّه تمثيل للردّ عن الدّين مع بقاء الفطرة بالرّدّ عن الطّريق مع توجّه الوجه الى المقصد الاوّل (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) نسب الى مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة أمير المؤمنين (ع) انّه قال : نزلت في المنافقين إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة ارجعوا الى إخوانكم وارجعوا الى دينكم (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) يعنى ليس هؤلاء المنافقون الّذين يردّونكم عن دينكم مولاكم بل الله مولاكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) فلا تستنصروا بمثل عبد الله بن ابىّ ولا بمثل ابى سفيان (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) بعد ما تلطّف بهم وقوّاهم بكونه مولاهم وناصرهم وعدهم الرّعب في قلوب أعدائهم استتماما للنّصرة واستكمالا للتّقوية وقد أنجز وعده بعد هزيمة المسلمين في أحد بنصرتهم على أعدائهم وإلقاء الخوف في قلوبهم بحيث انهزموا وما وقفوا الى مكّة من خوف تعاقب المسلمين (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ) باشراكهم في الطّاعة وفي الوجود (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) الباء في به ظرفيّة أو سببيّة أو للإلصاق والمعنى بما أشركوا بالله شريكا لم ينزّل بسببه من حيث شركته برهانا وحجّة دالّة على جواز الإشراك به في الطّاعة وعلى جواز التوجّه والنّظر اليه.
تحقيق الإشراك بالله باذنه وبرهانه
اعلم انّ الإنسان سوى المعصومين من اوّل الصّبا كافر محض حالا واعتقادا الى أوان المراهقة والبلوغ فان ساعده التّوفيق وانجذب الى الانقياد لنبىّ وقته والاعتقاد بالتّوحيد صار مسلما موحّدا اعتقادا وكان كافرا حالا لانّه حينئذ في دار الكثرة ومقام النّفس الّتى لا ترى الّا الكثرات ولا تتذكّر في الفاعلين فاعلا وحدانيّا بل لا تعتقد فاعلا وحدانيّا فان ساعده التّوفيق وانجذب من دار الكثرة الى دار الوحدة الّتى هي دار القلب ودار الايمان فان بايع البيعة الخاصّة الولويّة ودخل الايمان في قلبه وهاجر من دار الحرب الّتى هي دار النّفس ودار الكفر الى مدينة القلب الّتى هي دار الأمن والامان والايمان فهو قد يجد وجدانا وحالا فاعلا الهيّا في الفاعلين فيخرج من الكفر الحالىّ الى الشّرك الحالىّ ثمّ الشّهودىّ ثمّ العيانىّ حتّى يخرج من دار الشّرك الى دار التّوحيد بحيث لا يرى في الوجود الّا الله وحصّل معنى