المشركون والمشركات (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) اى الى الشّرك المؤدّى الى النّار فحقّهم عدم المخالطة والمصاهرة (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) حقّ العبارة ان يقول : والمؤمنون والمؤمنات يدعون الى الجنّة لكنّه عدل عنه اشعارا بانّ دعاء المؤمنين دعاء الله.
تحقيق تكيّف النّفوس من مجاورها
اعلم انّ نفس الإنسان قبل ان تستكمل وتتمكّن في شيء من السّعادة والشّقاوة قابلة محضة تتأثّر من كلّ ما تجاوره كالمرآة الصّافية الّتى ينطبع فيها كلّ ما يواجهها والمسلم والمسلمة والمؤمن والمؤمنة بواسطة الاتّصال بالنّبىّ (ص) والولىّ (ع) بالبيعة العامّة أو الخاصّة ينطبع في نفس كلّ منهم فعليّة ما من النّبىّ (ص) أو الولىّ (ع) وكلّ من يجاوره يتأثّر ممّا انطبع فيه والمشرك والمشركة سواء كان الشّرك بالله أو بالرّسالة أو بالولاية ينطبع من الشّيطان فعليّة ما في نفس كلّ منهما وكلّ من يجاوره يتأثّر ممّا انطبع فيه وينطبع فيه شيء ما منه ، ومنه يعلم وجه خيريّة العبد المسلم والامة المسلمة من المشرك والمشركة فانّهما مظهر ان للنّبىّ (ص) وهما مظهر ان للشّيطان ، ويعلم أيضا وجه العدول الى قوله تعالى : (اللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ) فانّ فعليّة النّبىّ (ص) بما هو نبىّ فعليّة من الله ويظهر وجه نسبة الدّعوة الى المشركين بطريق العموم وتأدية الفعل بالمضارع الدّالّ على الاستمرار مع انّ أكثر المشركين لا يدعون أحدا ومن يدعو لا يدعو مستمرّا ، وهكذا الحال في جانب المسلمين لانّ هذا التأثّر والانطباع لا يكون باللّسان والاستماع بل قد يكون اللّسان والسّماع معدّين له (بِإِذْنِهِ) اى بإباحته وترخيصه وهو متعلّق بيدعو وبه وبيدعون على سبيل التّنازع والمقصود انّ دعاء المشركين والمسلمين ليس بدون اذن الله تعالى وترخيصه لانّ جعله تعالى النّفوس بحيث تنطبع فيها فعليّة مجاورها وفعليّة الشّيء بحيث تؤثّر فيما تجاوره انّما هو بجعله تعالى وجعله اذنه التّكوينىّ (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ) عطف على يدعو يعنى انّ هذه الدّعوة التّكوينيّة من آيات حكمته وقدرته تعالى وتأثّر المجاور وظهور تلك الدّعوة فيه بيان للآيات ، أو المراد انّه يبيّن احكامه الشرعيّة بلسان أنبيائه (ص) وأوصيائهم (ع) (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) بدقائق الحكم المودعة في الآيات بسبب ظهور آية الشّرك من المشرك والمشركة وآية الإسلام من المسلم والمسلمة فيهم أو بسماع الآيات والأحكام من الأنبياء عليهمالسلام.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) من حيث المجامعة بقرينة الجواب ؛ كانوا يجتنبون النّساء في الشّرائع السّابقة حال الحيض أشدّ اجتنابا من هذه الشّريعة على ما نقل ، والانسانيّة تكره مضاجعتهنّ في تلك الحالة فكانوا يسألون بعد بعثته (ص) عن ذلك (قُلْ هُوَ أَذىً) للانسانيّة من حيث استقذاره ولنفس الإنسان من حيث تأثّرها وغلبة الحيوانيّة عليها حتّى تستلذّ المضاجعة ولا تكرهها حينئذ ، ولبدن الرّجال من حيث تأثّر الآلة من اثر الدّم وكيفيّته حتّى يورث بعض الأمراض ولبدن النّساء بوجه (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) كناية عن ترك المجامعة كما انّ المجامعة والمضاجعة والمقاربة كلّها كنايات عن النّكاح (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) من الدّم بالانقطاع وقرئ يطّهّرن بالتّشديد من التّطهّر فيكون المراد التطهّر بالاغتسال أو الوضوء أو غسل الفرج (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) ان قرئ الاوّل بالتّخفيف كان حكم حالة الدّم وحكم ما بعد الاغتسال أو الوضوء أو غسل الفرج منصوصا وحكمهنّ بعد انقطاع الدّم وقبل ذلك مجملا ، وان قرئ الاوّل بالتّشديد كان حكم ما بعد ذلك