رسول الله (ص) قال لا يثبت على ولاية علىّ (ع) الّا المتّقون (وَاتَّقُوا اللهَ) بعد تلك الايّام ان تواقعوا الموبقات حتّى لا تحملوا أثقال ذنوبكم السّالفة مع ثقل الذّنب الّذى أتيتموه ولا تحتاجوا الى توبة اخرى أو الأمر بالتّقوى مطلق اى اتّقوا سخط الله في ترك المأمورات وارتكاب المنهيّات (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فيجازى كلّا على حسب عمله ترغيب وتهديد (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ) تخلّل الاجنبىّ يمنع من عطفه على قوله (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : رَبَّنا آتِنا) (الى آخرها) ، وانشائيّة الجمل السّابقة تمنع من عطفه عليها ، وكون الواو للاستيناف ممّا يمنع منه السّليقة المستقيمة فبقي ان يكون عطفا على محذوف مستفاد من السّابق فكأنّه قال : فمن النّاس من يذكر الله من غير نفاق لمحض الدّنيا ، ومنهم من يذكره للدّنيا والآخرة ، ومنهم منافق لا يذكر الله الّا للتّدليس وهو بحيث يعجبك قوله (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) حال عن مفعول يعجبك أو متعلّق بقوله أو حال عنه أو عن الضّمير في قوله يعنى إذا تنزلّت في مقام الحيوة الدّنيا ونظرت من ذلك المقام الى مقاله تعجّبت منه أو هو إذا تكلّم في امر الحيوة الدّنيا أو حفظها تعجّبت منه لا إذا كنت في مقام الحيوة الاخرى ، أو لا إذا تكلّم في الحيوة الاخرى (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) ادّعاء بادّعاء انّ ما في قلبه هو الحقّ الموافق لقوله لا على ما في قلبه حقيقة فانّه يدلّس بإظهار ما لم يكن في قلبه والمراد بالاشهاد جعله متحمّلا للشّهادة أو مؤدّيا لها وهذا ديدن الكذّاب فانّه لمّا لم يجد من يصدّقه ولا ما يحتجّ به يحلف بالله ويشهد بالله وصار قولهم : الكذّاب حلّاف مثلا ، وقد أشار تعالى بقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) الى انّه كذّاب (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) ألد افعل مثل أحمر وليس للتّفضيل مثل أفضل بمعنى الخصم الشّحيح الّذى لا يزيغ الى الحقّ ، والخصام مصدر ، أو جمع لخصم والآية عامّة لجملة المنافقين وان ورد في نزولها انّها في معاوية ومن وافقه (وَإِذا تَوَلَّى) أدبر عنك أو تولّى امرا من أمورك أو أمور الدّنيا أو صار واليا على الخلق (سَعى) اى أسرع في السّير (فِي الْأَرْضِ) ارض العالم الصّغير أو العالم الكبير ، أو ارض القرآن ، أو الاخبار ، أو السّير الماضية من الأنبياء (ع) وخلفائهم (ع) (لِيُفْسِدَ) ليوقع الفساد (فِيها) والإفساد تغيير الشّيء عن الكمال الّذى هو عليه ، أو منعه عن الوصول الى كماله ، واللّام لام الغاية أو لام العاقبة فانّ المنافقين يظنّون انّهم يصلحون ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ : لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا : إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ)(وَيُهْلِكَ) اى يفنى أصلا (الْحَرْثَ) ما يزرعه النّاس من نبات الأرض أو ما أنبته الله من مطلق نبات الأرض (وَالنَّسْلَ) الولد الصّغير من المتوالدات أو من الإنسان.
تحقيق الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنّسل
اعلم انّ عالم الطّبع بسماواته وسماويّاته وأرضه وارضيّاته متجدّد ذاتا وصفة وفي كلّ آن له فناء من قبل نفسه وبقاء من قبل موجده ، وحاله بالنّسبة الى موجده حال شعاع الشّمس بالنّسبة الى الشّمس فانّ الشّعاع الواقع على السّطح لا بقاء له في آنين بدليل انّه إذا وقع الشّعاع من روزنة بعيدة على سطح ينعدم عنه بمحض سدّ الرّوزنة ولا يبقى بعد سدّها آنين والمبقى للأشياء على سبيل الاتّصال بحيث يختفى تجدّدها هو المشيّة بوجه كونها رحمة رحمانيّة عامّة ، وانّ الكائنات لها قوّة واستعداد وبحسب تفاوت الاستعدادات تتدرّج في الخروج من القوّة الى الفعل سريعا أو بطيئا ، وتجدّد الفعليّات عليها ليس الّا بالمشيّة بوجه كونها رحمة رحيميّة والمتحقّق بالمشيّة بوجه كونها رحمة رحمانيّة