وتمويهاتها ، ومن العالم الصّغير متشابهاته الّتى هي الشّهوات الفانية الممزوجة بالآلام والإدراكات الشّيطانيّة والأفعال والأقوال الزّائغة أو المشتبهة بالزّائغة ، ومن الأحكام مشتبهاتها الموافقة لآرائهم الكاسدة ، أو السّائغة التّأويل إليها ، ومن القرآن المتشابهات الموافقة لاوهامهم أو الجائزة التّأويل إليها فهم يدعون المحكمات من الكتاب ويتّبعون (ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) شاعرين بالابتغاء أو غير شاعرين ؛ فانّ ابتغاء الفتنة كابتغاء مرضاة الله قد يكون من قصد اليه وقد يكون من غير قصد لانّ الواقعين في دار النّفس وجهنّام الطّبع لا يكون منهم الّا إفساد ارض العالم الصّغير أو الكبير وإهلاك حرثها ونسلها وبكلّ فعل أو قول منهم يشتدّ ذلك الإفساد ، وذلك الاشتداد هو الابتغاء للافساد سواء لم يكونوا شاعرين بإصلاح وإفساد أو كانوا عالمين بانّه إفساد قاصدين له ، أو كانوا ظانّين انّهم مصلحون غير مفسدين كما تفوّهوا وقال : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) الى ما يوافق آرائهم (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) جملة حاليّة على جواز دخول الواو على المضارع المنفىّ بما ، أو معطوفة والتّأويل امّا بمعنى المأوّل اليه أو بمعناه المصدرىّ يعنى لا يعلم ما هو تأويله في نفس الأمر (إِلَّا اللهُ) اعلم أنّ تأويل الشّيء بمعنى ارجاعه لا يصدق الّا إذا أعيد الى ما منه بدئ ، ولمّا كان مبدأ الكلمات الإلهيّة التّكوينيّة والتّدوينيّة مقام ظهوره تعالى الّذى هو مقام المشيّة لم يكن يعلم تأويلها بنحو الإطلاق الّا الله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) رسوخا تامّا وهم الّذين بلغوا الى مقام المشيّة وارتقوا عن مقام الإمكان وهم محمّد (ص) وأوصياؤه الاثنا عشر لا غيرهم كما بلغ إلينا ، وامّا غيرهم من الأنبياء والأولياء فلمّا لم يرتقوا عن مقام الإمكان لم يعلموا تأويلها التّامّ بل بقدر مقامهم وشأنهم ، ولمّا كانت الكلمات بوجه ناشئة عن مقام الغيب صحّ ان يقال : لا يعلم تأويلها التّامّ الّا الله ، وامّا الرّاسخون في العلم فلا يعلمونه و (يَقُولُونَ) من باب التّسليم (آمَنَّا بِهِ) وعلى هذا فالوقف على الّا الله وقوله (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ابتداء جملة اخرى فصحّ ان يقال : لا يعلم تأويل القرآن الّا الله ، أو يقال : علم تأويل القرآن منحصر في النّبىّ (ص) والائمّة (ع) ولا يعلمه غيرهم ، أو يقال : علمه منحصر فيهم وفي خواصّ شيعتهم ، وقد أشير الى كلّ من هذه في الاخبار (كُلٌ) من المحكم والمتشابه (مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) في خبر نحن الرّاسخون في العلم ، وفي رواية : فرسول الله (ص) أفضل الرّاسخين ، وفي خبر : انّ الرّاسخين في العلم من لا يختلف في علمه ، وفي خبر ، ثمّ انّ الله جلّ ذكره بسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كلامه قسّم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما منه يعرف العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه الّا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تميزه ممّن شرح الله صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه الّا الله وأنبياؤه والرّاسخون في العلم ، وانّما فعل ذلك لئلّا يدّعى أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله (ص) من علم الكتاب ما لم يجعله لهم ، وليقودهم الاضطرار الى الايتمار عن ولاة أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعزّزا وافتراء على الله عزوجل واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله جلّ اسمه ورسوله (وَما يَذَّكَّرُ) انّ في الكتاب محكما ومتشابها ، وانّ المتشابه لا يعلمه الّا الله أو من كان خليفة لله ، وانّ الكتاب لا يتصوّر إيجاده وانزاله الّا بالاشتمال على المتشابه.
بيان صيرورة الإنسان ذا لبّ
(إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) الّذين صارت أعمالهم وعلومهم ذوات الباب بتعقيد قلوبهم على الولاية على أيدي أولياء الأمر كما مضى وهو معطوف من الله الحاكي على المحكىّ من قولهم ، أو هو من المؤمنين القائلين ، والاشكال بأنّ الإتيان بالكلام المتشابه المحتمل