اى الّذين كانوا موجودين من بعد مجيئهم أو من بعد وفاتهم فيكون تعريضا بالاختلاف والقتال الواقع في زمان محمّد (ص) أو بعد وفاته (ص) وتسلية له (ص) : ولأوصيائه (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) اى المعجزات أو الدّلائل الواضحات أو الموضحات (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) قياس استثنائىّ مشير الى رفع التّالى المستلزم لرفع المقدّم اعنى مشيّة عدم الاقتتال وهو بمفهومه اعمّ من مشيّة الاقتتال لكنّه بحسب الواقع مستلزم له (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ) الفاء سببيّة أو عاطفة للتّفصيل على الإجمال والمراد الايمان العامّ الحاصل بالبيعة العامّة (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) لمّا نسب الاختلاف إليهم وكذا الايمان والكفر توهّم منها انّهم هم الفاعلون لأفعالهم من دون فاعليّة الله تعالى وسببيّة مشيّته فكرّر الشّرطيّة السّابقة دفعا لهذا التّوهّم وتأكيدا لنسبة الأفعال الى المشيّة بل حصرا لنسبة الأفعال اليه تعالى من دون استقلال الغير بها أو مشاركته ولذلك أتى باستثناء التّالى بحيث يفيد نسبة الأفعال اليه تعالى بطريق الحصر فقال :
تحقيق الجبر والقدر والأمر بين الأمرين وتحقيق بعض المطالب
(وَلكِنَّ اللهَ) لا غيره (يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) وهذا في موضع لكن اختلفوا فكأنّه قال ولكن اختلفوا وليس الاختلاف منهم ولا بمشاركتهم بل الله فعل الاختلاف في مظاهرهم وقد أشار تعالى الى كبري قياس من الشّكل الاوّل مستنبط صغراه من المقدّمات المسلّمة المشهورة وهي كلّ شيء من افعال العباد وصفاتهم وغيرها ممّا له سمة الإمكان فهو مراده تعالى لتسليم كلّ من اقرّ بالمبدء الاوّل ان لا شيء في عالم الإمكان الّا بعلمه ومشيّة وإرادته ، وكلّ مراده فهو مفعول له لا لغيره لا بالاستقلال ولا بالشّراكة فكلّ شيء من الذّوات والاعراض وافعال العباد مفعول له تعالى لا لغيره فعلى هذا يكون افعال العباد فعل الله لكن في مظاهر العباد.
وتحقيق افعال العباد بحيث لا يلزم من نسبتها الى الله جبر للعباد ولا من نسبتها الى العباد تفويض إليهم ولا تعدّد في النّسبة يستدعى ذكر مقدّمات :
الاولى ـ انّ الوجود كما تكرّر سابقا حقيقة واحدة ذات مراتب كثيرة متفاوتة بالشدّة والضّعف والتقدّم والتأخّر بحيث لا ينثلم بكثرتها وحدة تلك الحقيقة كالنّور العرضىّ فانّه حقيقة واحدة متكثرّة بحسب المراتب القريبة والبعيدة من منبعه وبحسب السّطوح المستنيرة به ، فانّ النّور يتكثّر بكثرة السّطوح بالعرض فاذا ارتفع السّطوح وحدود المراتب واعتبارها لم يبق الّا حقيقة واحدة من دون اعتبار كثرة فيها.
والثّانية ـ أنّ تلك الحقيقة بذاتها تقتضي الوجوب لضرورة اتّصاف الشّيء بذاته وامتناع سلبه عن ذاته.
والثّالثة ـ انّ الوجوب بالذّات يقتضي الاحاطة بجميع أنحاء الوجودات ومراتبها بحيث لو كان شيء منها مغايرا للواجب وخارجا منه تلك الحقيقة لزم تحدّد الحقيقة الواجبة بذلك الشّيء ولزم من التحدّد الإمكان فلم يكن حقيقة الوجود حقيقة الوجود بل نحوا من انحائها ، ولا الواجب واجبا بل كان ممكنا.
والرّابعة ـ أنّ تلك الحقيقة كما تقتضي الوجوب بذاتها تقتضي الاصالة في التّحقّق وفي منشئيّة الآثار لاقتضاء الوجوب الاصالة ، واقتضاء الاصالة منشئيّة الآثار وكون غيرها من التعيّنات اعتباريّا.
والخامسة ـ انّ مراتب الوجود وانحاءه بحكم المقدّمة الثّالثة عبارة عن تلك الحقيقة متحدّدة بحدود وتعيّنات وبتلك الحدود وقع التّميز بينها وليست تلك الحقيقة جنسا لها ولا نوعا.
والسّادسة ـ أنّ الآثار الصّادرة من أنحاء تلك الحقيقة صادرة من تلك الحقيقة مقيّدة بحدود تلك