كما لا يعقل الكاف والنون فهؤلاء حقهم أن يسترزقوا الله عقلا وهو أهم لهم من الاشتغال بالنظر ، والثالث : أن قوله كن خطاب مع العالم في حالة العدم أو في حالة الوجود ، فإن كان في حالة العدم فالمعدوم لا يفهم الخطاب ، فكيف يمتثل بأن يتكون بقوله كن؟ وإن كان في حالة الوجود فالكائن كيف يقال له كن؟ فانظر ما ذا يفعل الله تعالى بمن ضل عن سبيله فقد انتهى ركاكة عقله إلى أن لا يفهم المعني بقوله تعالى (إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١) وأنه كناية عن نفاذ القدرة وكمالها حتى انجرّ بهم إلى هذه المخازي ، نعوذ بالله من الخزي والفضيحة يوم الفزع الأكبر يوم تكشف الضمائر وتبلى السرائر فيكشف إذ ذاك ستر الله عن خبائث الجهال ، ويقال للجاهل الذي اعتقد في الله تعالى وفي صفاته غير الرأى السديد (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢).
وأما الكلام فهو قديم ، وما استبعدوه من قوله تعالى (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) (٣) ومن قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (٤) استبعاد مستنده تقديرهم الكلام صوتا وهو محال فيه ، وليس بمحال إذ فهم كلام النفس ، فإنا نقول يقوم بذات الله تعالى خبر عن إرسال نوح العبارة عنه قبل إرساله : إنا نرسله ، وبعد إرساله : إنا أرسلنا ، واللفظ يختلف باختلاف الأحوال والمعنى القائم بذاته تعالى لا يختلف ، فإن حقيقته أنه خبر متعلق بمخبر ذلك الخبر هو إرسال نوح في الوقت المعلوم وذلك لا يختلف باختلاف الأحوال كما سبق في العلم ، وكذلك قوله (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) لفظة تدل على الأمر والأمر اقتضاء وطلب يقوم بذات الأمر وليس شرط قيامه به أن يكون المأمور موجودا ولكن يجوز
__________________
(١) سورة النحل الآية : ٤٠.
(٢) سورة ق الآية : ٢٢.
(٣) سورة طه الآية : ١٢.
(٤) سورة نوح الآية : ١.