هي اختصاصات بالأحياز متماثلة ، والقادر على الشيء قادر على مثله إذ كانت قدرته قديمة بحيث يجوز أن يتعلق بمقدورين وقدرة كل واحد منهما تتعلق بعدة من الاجسام والجواهر ، فلم تتقيد بمقدور واحد ، وإذا جاوز المقدور الواحد على خلاف القدرة الحادثة ، لم يكن بعض الاعداد بأولى من بعض ، بل يجب الحكم بنفي النهاية عن مقدوراته ويدخل كل جوهر ممكن وجوده في قدرته.
والقسم الثاني أن يقال : أحدهما يقدر على الجوهر والآخر على الأعراض وهما مختلفان ، فلا تجب من القدرة على أحدهما القدرة على الآخر ، وهذا محال ، لأن العرض لا يستغني عن الجوهر ، والجوهر لا يستغني عن العرض ، فيكون فعل كل واحد منهما موقوفا على الآخر ، فكيف يخلقه وربما لا يساعده خالق الجوهر على خلق الجوهر عند إرادته لخلق العرض ، فيبقى عاجزا متحيرا والعاجز لا يكون قادرا. وكذلك خالق الجوهر إن أراد خلق الجوهر بما خالفه خالق العرض فيمتنع على الآخر خلق الجوهر فيؤدي ذلك إلى التمانع.
فإن قيل : مهما أراد واحد منهما خلق جوهر ساعده الآخر على العرض وكذا بالعكس. قلنا : هذه المساعدة هل هي واجبة لا يتصور في العقل خلافها فإن أوجبتموها فهو تحكم ، بل هو أيضا مبطل للقدرة ، فإن خلق الجوهر من واحد كأنه يضطر الآخر إلى خلق العرض ، وكذا بالعكس ؛ فلا تكون له قدرة على الترك ولا تتحقق القدرة مع هذا. وعلى الجملة فترك المساعدة إن كان ممكنا فقد تعذر العقل وبطل معنى المقدرة والمساعدة إن كانت واجبة صار الذي لا بد له من مساعدة مضطرا لا قدرة له.
فان قيل. فيكون أحدهما خالق الشر والآخر خالق الخير ،
قلنا : هذا هوس ، لأن الشرّ ليس شرا لذاته ، بل هو من حيث ذاته مساو للخير ومماثل له ، والقدرة على الشيء قدرة على مثله ، فإن إحراق بدن المسلم بالنار شر ، وإحراق بدن الكافر خير ودفع شر ، والشخص الواحد