ونلاحظ في كلمة (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) أنها ليست مجرد جملة اعتراضية يراد بها تصوير حالتهم أمام الارتباط بالكتاب ، بل هي لفتة نقدية للواقع في معرض الإيحاء لهم بالاستغراق في ما يتلونه من آيات الله من أجل وعي أعمق وسلوك أفضل ، لما في ذلك من التأنيب والتبكيت حيث يعيشون الغفلة العميقة عن أنفسهم في الموقف الذي يملكون فيه حضور الوحي الذي يهز الغفلة في أعماق النفس ، بصرخة الحق ويقظته.
ونلاحظ في كلمة : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أن الآية تريد أن تثير في أنفسهم الشعور بأن المشكلة لديهم ليست مشكلة علم ، ليصار إلى توجيههم نحو الأخذ بأسباب العلم ، بل هي مشكلة تجميد للعقل في المسائل التي تدخل في حساب التمييز العملي بين الحسن والقبيح. وقد يثأر هنا سؤال :
هل نفهم من الآية أنّ على الإنسان الذي لا يملك الإرادة القوية في إخضاع خطواته العملية لمبادئه ، أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لئلا يكون ممن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ، مما يجعل من هذه الفريضة فريضة على الذين يملكون العصمة في العمل في ما يجب وفي ما يحرم؟
والجواب : إن الآية ليست واردة في هذا الاتجاه ، بل كل ما هناك أنها تريد أن تثير في نفوس العاملين في سبيل الدعوة إلى الله ، بأسلوب التوبيخ والتأنيب ، الشعور بضرورة التخلص من هذه الازدواجية بين موقف الداعية وموقف المؤمن ، للتوصل إلى الوحدة بين الكلمة والموقف ، لأن ذلك يتصل بنجاح الدعوة عند ما يعظ الداعية الناس بأقواله وأفعاله ، وبشخصية الداعية عند ما تستقيم خطاه في اتجاه خطوات فكره وإيمانه.
أمّا قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهي من القضايا الواجبة التي لا ترتبط بالممارسة العملية لما يأمر به الإنسان ولما ينهى عنه كشرط للوجوب لتكون فريضة للمعصومين عمليا ، لأن من واجب الإنسان أن