ونحن ، هنا ، في محاولة دراسية لهذه الآيات ، لنبحث فيها عن دور بني إسرائيل ، وملامحهم ، وأساليبهم الملتوية ، وعقدهم النفسية العميقة ، ثم نتوقف عند المواقف النبوية العظيمة التي كانت تواجه هذا الواقع المملوء بالتحديات والصعوبات بصبر الرسول وقوة الرسالة ووعيها العميق ، ونحاول الاستفادة منها في أسلوبنا العملي في دعوتنا إلى الله.
* * *
اذكروا نعمة الله وأوفوا بعهده
إن الله يريد في هذه الآيات أن يذكّر بني إسرائيل بنعمه عليهم ، ليقودهم إلى الشعور بمسؤوليتهم إزاءها ، فيقفون منها موقف الشاكر للنعمة في مجالها العملي بطاعة الله ، ويقدمون للرسالات الإلهية الدعم والقبول والانقياد. (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) لتعرفوا أن سلوككم المتعنّت مع النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس موقف الشاكر ، بل هو موقف الكافر للنعمة ، لأنكم تعرفون أنه رسول الله حقا. أما ما هي النعم التي أنعمها الله عليهم ، فهذا ما تحدثت عنه سورة البقرة في ما يأتينا من آيات.
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) إن هذه الفقرة توحي بأن ثمة عهدا بين الله وبينهم ، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وأن ينسجموا مع الخط الذي يريده للإنسان ، بتصديق رسله ونصرهم ، ولكن ، هل هو عهد خاص بين الله وبين بني إسرائيل ، لتنطلق المطالبة من خلال هذه الخصوصية التي تميزهم عن الآخرين؟ الظاهر أن القضية أوسع من ذلك ، فنحن لا نلمح وجود عهد خاص ببني إسرائيل ، بل هو عهد الله مع كل عباده في كل زمان ومكان ، في ما أخذه الله عليهم من خلال فطرتهم التي تدعوهم إلى عبادته. وقد تحدث الله في أكثر