ديدن اليهود نقض العهود
في هذه الآيات عودة إلى توضيح الصورة القلقة في سلوك المجتمع اليهودي آنذاك ، فهم يكفرون بآيات الله التي أنزلت على النبي صلىاللهعليهوآله ، مع وضوح دلائل ألوهيتها ، ونراهم ـ في الوقت نفسه ـ يدّعون لأنفسهم الاستقامة والثبات على الخط ، ويتجاهلون مدلول تصرفاتهم المتذبذبة ؛ فالذي يكفر بها مع هذا الوضوح ، لا يمكن إلا أن يكون فاسقا خارجا عن خطّ الإيمان ، وفي هذا إيحاء بأن الكفر والفسق في المدلول القرآني لا يمثّلان مصطلحين متقابلين ، كما هي الحال في مفهوم الفقهاء ، حيث يطلقون الفسق على ما يقابل العدالة ، مع التحفظ على مبدأ الإيمان في العقيدة ، ويطلقون الكفر على ما يقابل الإيمان ، مع عدم ملاحظة جانب العمل في ذلك.
ثم تكمل الآية الصورة في المجال العملي ؛ فنواجه نقض العهود التي كانوا يعقدونها مع النبي محمد صلىاللهعليهوآله ومع الآخرين. فهذا هو ديدنهم وطريقتهم في علاقاتهم الاجتماعية ، ثم اعتبر القرآن الكريم أن الفريق الذي يمارس هذا السلوك يمثّل الأكثرية المنطلقة من عدم الإيمان ، لأن الإيمان يدعو إلى الحقّ ، والحقّ يدعو إلى الوفاء.
وتتضح الصورة في الجانب التطبيقي للفكرة التي ألمحت إليها الآية مع بعض التفاصيل ، فقد جاء رسول الله ومعه القرآن الذي يصدق ما لديهم من التوراة ، حتى أنهم لا يحتاجون في التعرف على صحته إلا إلى الرجوع إلى التوراة ليقارنوا بينها وبينه ، ولكنهم نبذوا التوراة التي هي كتاب الله وراء ظهورهم ، فلم يعملوا بها ، لأنّ ذلك لا ينسجم مع عصبيتهم وأنا نياتهم ، كأنهم لا يعلمون وجه الحقّ في ذلك ، مع أنهم يعلمونه حقا كما يعرفون أنفسهم