الروحية والفكرية والعملية ، لا بد أن تعود إلى الإيمان للذين يتطلعون إلى حقائقه وآفاقه ، ليلتزموها عقيدة وسلوكا وانتماء. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) من الناس الذين لا يعيشون مسئولية المعرفة ، ولا جدية الحوار ، ولا وعي القراءة ، بل يعيشون الحياة على أساس الغفلة واللامبالاة واللاانتماء ، ويسيرون مع كل ريح ، فلا يتدبرون الكتاب ، ولا يتفهمون آياته ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الذين خسروا الدنيا التي يخطط الكتاب لها في خط التوازن الفكري والعملي ، وخسروا الآخرة التي يريد الكتاب للإنسان أن يجعلها الهدف في حركته في الدنيا ، لينال الدنيا والآخرة معا.
* * *
تذكير الله بني إسرائيل بنعمه عليهم.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ* وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) تقدمت هاتان الآيتان في ما سبق وتقدم الحديث عنهما ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو السبب في إعادتهما وتكرارهما ، والظاهر هو أن الحديث الذي بدأه القرآن مع بني إسرائيل كان محاولة لتذكيرهم بالميثاق وبنعم الله عليهم وبمسؤوليتهم عن هذه النعم بالسير مع الإسلام في دعوة النبي ، وكانت الآيات المتتابعة بمثابة استعراض للنعم وانحرافهم عن الخط المستقيم للمسؤولية ، من أجل تعميق الشعور بالمسؤولية في داخلهم في استحضار التاريخ الطويل المفعم بالحركة ، ومن الطبيعي أن ختام هذا الفصل بالتركيز على هذا الجانب يعتبر عنصرا فعالا في تحقيق ذلك ؛ والله العالم بحقائق آياته.
* * *