على صورة مجتمع بني إسرائيل من الداخل ، وتوضح لنا الطريقة التي يواجه بها أفراده الأوامر الصادرة من موسى إليهم ، مما يوحي بطبيعة المشاغبة التي تجعلهم يواجهون القضايا من موقع التعقيد ، لا من موقع البساطة ، فيحوّلون مهمة النبي في قيادته الفكرية والعملية إلى مهمّة صعبة ، لأن هناك فرقا في حركة القيادة ، بين قيادة تتحرك في جمهور يطيع الأوامر كما ترد في صيغة الأمر ، وبين قيادة يقف جمهورها ليسأل عن كل صغيرة أو كبيرة من دون أن يكون ذلك داخلا في حساب مسئوليته ، فإن ذلك يعطل الحركة وينذر بالهزيمة في أصعب المواقف وأكثرها تعقيدا عند ما تكون بحاجة إلى الحسم والتحرك السريع.
ولا بد لنا من وقفة أمام هذا الحوار بين موسى وبين قومه ، لنستجلي بعض خصائصه الموضوعية ، فقد طلب منهم ـ باسم الله ـ أن يذبحوا بقرة ، فاستغربوا الطلب ، لأنهم لم يفهموا علاقته بالقضية المتنازع عليها ـ أو هكذا حاولوا أن يصوّروا الموضوع ـ فاعتبروا ذلك هزءا وسخرية بهم من موسى ، فدلّلوا على أنهم لا يعرفون مقام النبوّة ولا شخصية النبي بأبعادها الروحية التي تمنعه من أن يوجّه إليهم طلبا باسم الله على سبيل العبث والسخرية بهم ، فإن ذلك يعتبر إساءة لله باستخدام اسمه في هذا المقام وبالكذب عليه ، لأنه يخبرهم بأن الله يأمرهم بذلك من دون أساس.
* * *
أمر بني إسرائيل بذبح البقرة
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) أية بقرة (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) لأن مثل هذا الأمر لا يخضع لأية مناسبة تتصل بحياتنا في أوضاعنا الخاصة والعامة ، فليس المورد مورد قربان نقدمه إلى الله في مناسباته الخاصة