عنّا ، فقال : أمّا نقلهم فلا يكون إلّا بنقلي ولكني أفتقدهم وأنهاهم وأزيل ما شكوتم منه ، فنظروا وإذا الأمر قد زاد وعظم وخاف منهم الفتنة ووقوع الحرب وعاودوه بالشكوى وقالوا : إن قدرت على نصفتنا وإلّا فتحوّل عنّا وإلّا حاربناك بالدعاء وندعو عليك في الأسحار ، فقال : هذه جيوش لا قدرة لي بها ، نعم أتحوّل وكرامة ، وساق من فوره حتى نزل سامرّاء وبنى بها دارا وأمر عسكره بمثل ذلك ، فعمّر الناس حول قصره حتى صارت أعظم بلاد الله ، وبنى بها مسجدا جامعا في طرف الأسواق ، وأنزل أشناس بمن ضم إليه من القوّاد كرخ سامرّاء ، وهو كرخ فيروز ، وأنزل بعضهم في الدور المعروفة بدور العرباني ، فتوفي بسامرّاء في سنة ٢٢٧ ، وأقام ابنه الواثق بسامرّاء حتى مات بها ثمّ ولي المتوكل فأقام بالهاروني وبنى به أبنية كثيرة وأقطع الناس في ظهر سرّ من رأى في الحيّز الذي كان احتجره المعتصم ، واتسع الناس بذلك ، وبنى مسجدا جامعا فأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارة لتعلو أصوات المؤذنين فيها وحتى ينظر إليها من فراسخ فجمع الناس فيه وتركوا المسجد الأوّل ، واشتقّ من دجلة قناتين شتويّة وصيفيّة تدخلان الجامع وتتخلّلان شوارع سامرّاء ، واشتقّ نهرا آخر وقدره للدخول إلى الحيّز فمات قبل أن يتمّم ، وحاول المنتصر تتميمه فلقصر أيامه لم يتمم ثمّ اختلف الأمر بعده فبطل ، وكان المتوكل أنفق عليه سبعمائة ألف دينار ، ولم يبن أحد من الخلفاء بسرّمن رأى من الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكل ، فمن ذلك : القصر المعروف بالعروس أنفق عليه ثلاثين ألف ألف درهم ، والقصر المختار خمسة آلاف ألف درهم ، والوحيد ألفي ألف درهم ، والجعفري المحدث عشرة آلاف ألف درهم ، والغريب عشرة آلاف ألف درهم ، والشيدان عشرة آلاف ألف درهم ، والبرج عشرة آلاف ألف درهم ، والصبح خمسة آلاف ألف درهم ، والمليح خمسة آلاف ألف درهم ، وقصر بستان الايتاخيّة عشرة آلاف ألف درهم ، والتلّ علوه وسفله خمسة آلاف ألف درهم ، والجوسق في ميدان الصخر خمسمائة ألف درهم ، والمسجد الجامع خمسة عشر ألف ألف درهم ، وبركوان للمعتز عشرين ألف ألف درهم ، والقلائد خمسين ألف دينار ، وجعل فيها أبنية بمائة ألف دينار ، والغرد في دجلة ألف ألف درهم ، والقصر بالمتوكلية وهو الذي يقال له الماحوزة خمسين ألف ألف درهم ، والبهو خمسة وعشرين ألف ألف درهم ، واللؤلؤة خمسة آلاف ألف درهم ، فذلك الجميع مائتا ألف ألف وأربعة وتسعون ألف ألف درهم ، وكان المعتصم والواثق والمتوكل إذا بنى أحدهم قصرا أو غيره أمر الشعراء أن يعملوا فيه شعرا ، فمن ذلك قول عليّ بن الجهم في الجعفري الذي للمتوكل :
وما زلت أسمع أنّ الملو |
|
ك تبني على قدر أقدارها |
وأعلم أنّ عقول الرّجا |
|
ل يقضى عليها بآثارها |
فلمّا رأينا بناء الإما |
|
م رأينا الخلافة في دارها |
بدائع لم ترها فارس |
|
ولا الرّوم في طول أعمارها |
وللرّوم ما شيّد الأوّلون |
|
وللفرس آثار أحرارها |
وكنّا نحسّ لها نخوة |
|
فطامنت نخوة جبّارها |