مستفهم عنه ، نحو : أين ذهب زيد فنتّبعه؟ ومن أبوك فنكرمه؟ وكم مالك فنعرفه؟ كل ذلك متأوّل بما ذكرنا من انسباك المصدر المستقبل من لازم الجمل المتقدمة ، فإن التقدير : ليكن منك إعلام بذهاب زيد فاتباع منا ، وليكن منك إعلام بأبيك فإكرام له منا ، وليكن منك تعريف بقدر مالك فمعرفة منّا.
قال شهاب الدّين : «وهذا البحث الطويل على تقدير شيء لم يقع ، فإنه لم يقرأ ـ لا في الشاذ ولا في غيره ـ إلا ثابت النون ، ولكن للعلماء غرض في تطويل البحث ، تنقيحا للذهن».
ووراء هذا قراءة مشكلة ، رورها عن عبيد بن عمير (١) ، وهي : لم تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا بحذف النون من الفعلين ـ وهي قراءة لا تبعد عن [لغط البحث](٢) ، كأنه توهم أن «لم» هي الجازمة ، فجزم بها ، وقد نقل المفسّرون عن بعض النّحاة ـ هنا ـ أنهم يجزمون بلم حملا على «لم» ـ نقل ذلك السجاونديّ وغيره عنهم ، ولا أظن نحويّا يقول ذلك ألبتة ، كيف يقولون في جار ومجرور : إنه يجزم؟ هذا ما لا يتفوّه به ألبتة ولا نطيق سماعه ، فإن ثبتت هذه القراءة ولا بد فلتكن مما حذف فيه نون الرفع تخفيفا ؛ حيث لا مقتضى لحذفها ، ومن ذلك قراءة بعضهم : «قالوا ساحران تظّاهرا» [القصص : ٤٨] ـ بتشديد الظاء ـ الأصل : تتظاهران ، فأدغم الثاني في الظاء ، وحذف النون تخفيفا ، وفي الحديث : «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتّى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا ..» يريد ـ عليهالسلام ـ : لا تدخلون ، ولا تؤمنون ؛ لاستحالة النهي معنى.
وقال الشاعر : [الرجز]
١٥٠٧ ـ أبيت أسري ، وتبيتي تدلكي |
|
وجهك بالعنبر والمسك الذّكي (٣) |
يريد تبيتين وتدلكين.
ومثله قول أبي طالب : [الطويل]
١٥٠٨ ـ فإن يك قوم سرّهم ما صنعتم |
|
ستحتلبوها لاقحا غير باهل (٤) |
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٥١٦ ، والدر المصون ٢ / ١٣٣.
(٢) في أ : الغلط.
(٣) ينظر البيت في الخصائص ١ / ٣٨٨ والمحتسب ٢ / ٢٢ واللسان (دلك) ورصف المباني ٣٦١ والهمع ١ / ٥١ والدر ١ / ٢٧ والتوضيح والتصحيح ص ١٧٣ والارتشاف ١ / ٤٢١ وشرح التصريح ١ / ١١١ وشرح الجمل ٢ / ٥٩٤ وضرائر الشعر ص ١١٠ ، والدرر اللوامع ١ / ٢٧ والخزانة ٨ / ٣٣٩ والدر المصون ٢ / ١٣٣.
(٤) ينظر البيت في شرح الكافية الشافية ١ / ٢١١ والسيرة النبوية ١ / ٢٧٨ والبحر المحيط ٢ / ٥١٦ وشواهد التوضيح ١٧٣ والدر المصون ٢ / ١٣٣.