الإحرام وسائر مناسك الحج والعمرة ، وفي غيرهما للوافدين والقاطنين ، فلذلك يختص بانه بلد آمن (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٣ : ٩٧) (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) (٢٩ : ٦٧) (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) (٢٨ : ٥٧) (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) (٣٤ : ١٨).
هذا ـ ومن مخلفات هوي الأفئدة والثمرات اليه طائف من الأمن تكوينا ، فقد جمع فيه الأمنان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)! ثم الأمن هذا يعم امن الروح والجسم عن كل ما يصيبهما ، ومن ذلك الأمن عن عبادة الأصنام وكما حصل منذ الهجرة إلى المدينة ، وكذلك الأمن عن العذاب وكما هو حاصل منذ تكونها حتى الآن والى يوم القيامة.
(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) .. «بني» قد تجمع كل الانسال الناسلة من ابراهيم يوم دعى والى يوم الدين ، وكيف يدعو «واجنبني» وهذه المجانبة هي من التكاليف
المختارة للعالمين؟ لأنها بدوامها وكمالها بين محاولة بشرية حسب المستطاع ، وبين توفيق رباني لولاه لكانت الحواجز الآفاقية والأنفسية تعرقل دون تحقيقها أم ثباتها وتكاملها ، لذلك يتطلب من الله ان يجنبه وبنيه بعد ما اجتنبوا وكما نقول (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ). وهل استجيب في بنيه كلهم؟ طبعا لا ، إلّا من آمن منهم ، وكما دعى (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢ : ١٢٤) فليس جنب تسييرا على مجانبة عبادة الأصنام ، بل توفيقا لمن آمن ، فان الخير كله بيديه والشر ليس اليه.
ولماذا «بني» دون من آمن ككل؟ انه تطبيق لأمر الله : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) (٦٦ : ٦) وقاية بدعاء بعد وقاية بسائر السعي ، ومن ثم سائر المؤمنين (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ) وقد تعني «بني» ولد ابراهيم وإسماعيل وإسحاق.