وبصيغة أخرى هي أحرى : الكون كله سئول وسؤال عن المكون القدير المتعال ، حاجة ذاتية ، وتعلقة حقيقية جوهرية لا ينفصل عنها ولا تنفصل عنه ، فالسؤال الذاتي هو لزام الذات على أية حال ، والسؤال الحالي هو ما تقتضيه الحال من كل هدى تقتضيه حال الكائن ، فهما مستجابان دونما استثناء ، حيث الاوّل قضية الفقر الذاتي والثاني قضية الحاجة الحيوية ، واما سؤال القال فهو مستجاب إذا اقتضت الحال.
و (نِعْمَتَ اللهِ) هنا هي جنس النعمة الشامل لكل نعمة كمجموعة ، فلا حدّ لنعمة الله حتى تحد وتحصى ، ونفس العدّ كذلك نعمة فكيف لك عدها وحدها ، فنحن غارقون ـ إذا ـ في نعمت الله ، ولكننا في الأكثر نظلمها ونكفر بها (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) ـ (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (١٦ : ٨٣) فلنعترف بالتقصير عن إحصاء نعمة الله بعد ما نعرفها ، ف «سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمة إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها ، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه اكثر من العلم انه لا يدركه ، فشكر جل وعز معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره ، فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا ، كما علم علم العالمين انهم لا يدركونه فجعله ايمانا ، علما منه انه وسع العباد فلا يتجاوز ذلك ، فان شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته وكيف يبلغ مدى عبادته من لا مدى له ولا كيف ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا» (١).
وهنا التعقيب (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) وفي النحل (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٥٤٥ في روضة الكافي علي بن محمد عن بعض أصحابه رفعه قال كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا قرأ هذه الآية «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها» يقول : ...