(سِرًّا وَعَلانِيَةً) (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (٢ : ٢٧١) فالإخفاء خير للمنفقين ابتعادا عن الرئاء ، والإبداء خير للكتلة المؤمنة لكي يجعلوا الإنفاق سنة متظاهرة لتتبّع ثم وفي إنفاق السر تصان كرامة الآخذين ومروءة المنفقين ، فلا يكون تفاخرا وتظاهرا ومباهات ، وفي العلانية إعلان بطاعة الله في واجب الإنفاق ومندوبه ، وكلّ متروك لحساسية الضمير ومقدرة الأحوال.
أم إنه سر في مندوبه وعلانية في مفروضه ، حيث الرئاء قد لا تتأتى ـ بطبيعة الحال ـ إلّا في خاصة الأحوال ندبا دون عامتها فرضا.
(يُقِيمُوا ... وَيُنْفِقُوا ... مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ..) هو يوم الموت إذ ينقطع التكليف ، ف (لا بَيْعٌ فِيهِ) ليشتري ثوابا ، إذ لا مال هناك إلا التقوى ولاتباع ، وانما تظهر ثوابا وفاقا ، (وَلا خِلالٌ) ولا خلة ولا شفاعة ، إلا خلال التقوى وشفاعتها : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (٤٣ : ٦٧) وخلة التقوى انما تنفع في شفاعة بشروطها.
و (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) يعم عامة الرزق وخاصته ، ما يمكن إنفاقه ويجوز ، بين راجح الإنفاق وواجبه حسب مختلف الظروف المواتية له ، كما وإقام الصلاة يعم مندوبها ومفروضها ، وقد تلمح (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) دون «مما عندهم» بأن رزق الله هو الحلال فقط ، ولا يجوز الإنفاق إلّا مما رزق الله ، وأما الحرام فلا هو من رزق الله ولا يجوز الإنفاق منه ف (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
وكما «هم» تعم الأرواح والأجسام ، ف «ما رزقناهم» تعم الأرزاق الروحية والجسدية متصلة بهم أم منفصلة عنهم ، ومن الأرزاق المادية أجزاء من أبدانهم ، بالإمكان تحويلها إلى المحاويج ، كالدم للجرحى المفتقرين اليه ، ام استخدامها في سبيل حوائج المحاويج ، كأن تنفعهم قدر المستطاع