واقع لا مرد لها ، فانها بعيدة عن الافتراضات الخاوية والخيالات الفاضية ، ولان المثل ليس موقعه إلّا تقريب الممثّل له ، فليكن اقرب منه الى المعرفة ، وأقربه ما يعرفه الممثّل لهم بسهولة مهما لم يكن المثل بتمامه واقعا ملموسا ، ما هو واقع بشطر منه معروف.
إذا فما هي هذه الشجرة ، هل هي الكرمة؟ وهي لا تؤتي أكلها كل حين ، وانما في فصلها ام فصولها ما يتعدد إثمارها! ام هي النخلة (١)؟ فكذلك الأمر! إلّا ان يعني «كل حين» أحيان بقاء الثمر ، سواء التي يكون على الشجر رطبا او يابسا ، ام التي ليس على الشجر ، كما الزبيب والتمر ومنتوجاتهما.
إذا فتشمل هذه الشجرة الزيتونة ، واضرابها من الشجرات التي تبقى أثمارها مهما اختلفت درجاتها.
وهنا مواصفات اربع لمثل الكلمة هي : طيبة ـ أصلها ثابت ـ وفرعها في السماء ـ تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ـ وهذه هي قمة الكمال للشجرة المثل وللكلمة الممثّل لها ، ولا تنطبق هذه المواصفات تماما على أية شجرة
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٧٦ ـ اخرج الترمذي والنسائي والبزاز وابو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن انس قال أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقناع من بسر فقال : مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ـ حتى بلغ ـ تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال : هي النخلة ، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ـ حتى بلغ ـ ما لها من قرار قال : هي الحنظلة. واخرج احمد وابن مردويه بسند جيد عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله كشجرة طيبة قال : هي التي لا ينقص ورقها هي النخلة. أقول ورواية النخلة متظافرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلّها لأنها المعروفة في محط الوحي ، والمفضلة على سائر الشجرة الطيبة زيتونة وسواها.