من عمل جموع كبيرة ، صرفوا طاقات كثيرة في نضده ونظمه ، وانه لا يمكن تأليفه في الجزيرة العربية القاحلة الجاهلة!
فيا لحماقي الطغيان العرب ، والناكرين لهذه الرسالة السامية ، من حمق في عمقهم ، وخنق وحنق في حلوقهم ، ان يخرج منها تلك الفرية الفاضحة (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)! ولئن قلت : علّهم كانوا يلحدون المعاني القرآنية الى اعجمي والألفاظ لمحمد نفسه ، كما قد تلمح له (إِنَّما يُعَلِّمُهُ) حيث التعليم هو للمعاني دون الألفاظ.
فالجواب ان «ه» في «يعلمه» راجع الى القرآن ككل بألفاظه ومعانيه ، والتعليم يعمهما حيث يتعلم اللسان كما يتعلم معاني اللسان.
ثم الأعجمية راجعة إلى الألفاظ دون المعاني ، فإنه لسان اعجمي ولغة اعجمية دون معان اعجمية ، فما لم تلفظ المعاني بلغة فليست هي لا اعجمية ولا عربية ، بل هي معان مدلولة بأية لغة كانت.
إذا فعكس الصورة أحرى بالشبهة ان التعليم كان في الألفاظ دون المعاني ، فالمعاني ـ إذا ـ من محمد والألفاظ من غلام أعجمي ، وهنا الجواب أوقع (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) اضافة الى ما طوي عن ذكره في هذه الصورة ، ان المعاني القرآنية هي ارقى من ألفاظه ، فالعارف بها هو أعرف بألفاظه وهو عربي وذاك اعجمي!
ولكن «انما» تحصر تعليم القرآن ككل ب (يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) فجاء الجواب حسما لمادة الكل!