الأرض ، ولا تشمل الطير والملائكة ، حيث الدابة ما تدب دائبا وهما لا يدبان إلّا أحيانا.
والسجدة المحلقة على كل الكائنات هي سجدة الأفعال والصفات والذوات طوعا وكرها ، مهمّا تخلّف جموع من الجنة والناس اختياريا ، فإنهم هم المعنيون بذلك التذكير التنديد الشديد ، لكي ينتبهوا عن غفلتهم ، ويفيقوا عن غفوتهم حين يرون الكون كله مسجدا فسيحا فصيحا في ذلك الحشد الهائل ، مشهد عجيب رهيب من الأشياء بظلالها والدواب كلها والملائكة (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).
وقد يعني «ما» هنا بعض الدواب لمكان «من دابة» وكل الملائكة لمكان «والملائكة» ف «من دابة» هنا تبعيض ، وفي الاوّل جنس ، تبعيضا حيث المقصود هنا البعد الثاني من السجدة وهو الاختيارية ، فكثير من الدواب تسجد لله عن شعور واختيار ، ومنها مؤمنوا الانس والجن ـ على قلتهم ـ وسائر الدواب هي الاكثرية الساحقة بين الكل في سجودها لله ، إذا فالتعبير ب «ما» دون «من» لمكان الدواب غير الانس والجان فانها غير ذوات العقول.
فيا ايها الإنسان الغفلان النسيان ، أيتها الحشرة الهزيلة الكليلة ، لماذا هذا الاستكبار الاستدبار عن طاعة الله الملك القهار؟!.
وقد يروى عن رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) «ان لله ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم الى يوم القيامة ترعد فرائصهم من مخافة الله ، لا تقطر من دموعهم إلا صار ملكا ، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤسهم وقالوا : ما عبدناك حق عبادتك» (١).
ثم (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) تنفي عنهم تطلّب الكبرياء الخاصة بربهم من
__________________
(١) المجمع أورده الكلبي في تفسيره عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).