(٥٤ : ٤٩) فهناك قدر في العلم يسبق خلق كل شيء ، ثم قدر بعد الخلق يلحقه ، ولان الإنفطار ولادة وتبدل ، فهو حركة في ماهيات الأشياء ، دائبة في المادة والماديات على أية حال.
والحركة لزامها التغير والزمان ، وهذه الثلاث لزامها التركب في اصل المادة وفرعها ، وقد يعم الانفطار هذه الأربع بحذافيرها ، فآية الفاطر هي من البراهين القاطعة الشاملة لحدوث العالم.
ثم العلم المحيط والقدرة المطلقة والحكمة العالية بارزة في كل منفطر في الكون (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) (٦٧ : ٤).
ف (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) دليل اوّل يزيح كل شك وريبة في الله ، ثم (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) دعوة اولى بضمان الايمان ومن ثم دعوات أخرى على ضوء الايمان بشروطه غفرا لسائر الذنوب ، دعوة مربحة مريحة ، ليست لان الفاطر بحاجة في دعوته الى منفطر ، بل غفرا عن ذنوب هي لزام البعد عن الله.
فمن غفر لا يخرج المغفور له الى توبة وسببه الايمان : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) (٨ : ٣٨) وهذه دعوة اولى فيها غفر لبعض الذنوب وهي السابقة على الايمان وطبعا من غير حقوق الناس ، و (ما قَدْ سَلَفَ) هي (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ثم السالف الخاص بحقوق الله ، بعض من بعض.
ومن ثم الايمان قيد الفتك لاحقا بضمان الجهاد فغفرا لكافة الذنوب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا