أليس العلم لا يزال يفتش عن علل الحوادث الخفية (١).
(أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فمجرد الاشارة إليهما والإحالة عليهما يكفي ، حيث يرد الشارد المارد الى رشده سراعا ، فلم يزد الرسل على الإشارة حيث العاقل تكفيه الإشارة.
إن الانفطار الإنشقاق واقع معلوم ملموس لا مردّ له في كل كائن سوى الاوّل : المادة الفردة الأولى ، فإنها لم تنشقّ عن شيء قبلها ، وانما خلقت لا من شيء ، ثم فطرت سائر الأشياء كلها من المادة الأم ، بوسيط ام بوسائط ام دون وسيط ، حسب مختلف التراكيب الذرية والجزئية والعنصرية اما هي فوق الذرية وبعد العنصرية ، فانها كلها منفطرات ، وقد عبر عنها كلها في القرآن كله ب (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تعبيرا عن الكون المنفطر دون المادة الام.
ام انها ايضا تدخل ضمن الكل في نطاق الانفطار ، انشقاقا لا عن شيء إلّا الارادة الإلهية ـ ان صح التعبير ـ والانفطار هنا هو انفطار التعمير ، ومن ثم انفطار التدمير (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (٨٢ : ١) ولا نجد الانفطار في سائر القرآن إلّا تعميرا عن المادة الام ام تدميرا ، ولكن الخلق قد يعم إيجاد المادة الام وولائدها ككل : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١٣ : ١٦) والمادة الأم شيء بل هي اصل كل شيء ، مخلوقة قبل كل شيء.
فليس الخلق هو التقدير فقط ، إذ لا تقدير في الخلق الأول إلا بعد خلقه (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (٢٥ : ٢) (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٨٧ : ٣) وان كان (كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
__________________
(١) راجع كتابنا «حوار بين الإلهيين والماديين».